المراهقة الصغيرة | قصة قصيرة لرمضان سلمي - مدونة رمضان سلمي برقي

اخر الأخبار

مساحة اعلانية

مرحبا بكم

الثلاثاء، 11 أغسطس 2015

المراهقة الصغيرة | قصة قصيرة لرمضان سلمي





دقتْ أجراس المدرسة الثانوية بنات؛ الساعة الآن الثامنة صباحاً، بدأ طابور الصباح؛ تجمعَتْ الفتيات بتنوراتهن الكحلية وقمصانهن البيضاء في أرض الملعب؛ ريعان الشباب يكسبهن جاذبية لا تقاوم؛ ضحكاتهن الرقيقة قتلت هدوء الصباح، أصواتهن في نشيد الصباح أنشودة عُزِفَتْ على ناي فرعوني قديم..
قبل أن يغادرن الفتيات أرض الملعب؛ ظهرت الفتاة الجميلة ”شاهندة“ كعادتها متأخرة عن الطابور؛ وقفَتْ في طابور المتأخرين الذي لا يقف به أحد سواها؛ بدت فتاة بالعشرين من عمرها، متوسطة القامة، ملفوفة الخصر، بيضاء البشرة، عنابية الخدين، مرسومة الحاجبين، ترتدي تنورة كحلية اللون ضيقة وقصيرة مظهرة بياض سمانتيها المصبوبتان بحرفية، وقميص أبيض يكاد نهديها ينفجران من ضيقه، وتلف رأسها بطرحة سوداء.
تجول بنظراتها الجريئة على زميلاتها تارة وعلى مدرسيها تارة أخرى..
دلَفَ صوبها الأستاذ فهمي السكرتير في بذلته الرمادية الباهتة؛ فبدا لها رجلاً بالعقد الرابع من العمر؛ طويل القامة، ممشوق الجسم، قمحي البشرة، يرتدي نظارة بصر زجاجية، قال:
- تعودتِ على التأخير؟ لو عوقبتِ في مرة لِما كررتها ثانية! هيا اتبعيني على مكتبي؟ فلن يخلصكِ اليوم مني أحد!.
انطلقَتْ شاهندة خلفه تغمغم وتجمجم، التفت لها فهمي، قال:
- مدي الخطى يا صغيرتي سنكتُب مذكرة بفصلكِ نهائياً عن الدراسة الآن ومعاً مارأيك صحبة جميلة، أليس كذلك؟ لماذا لا تبتسمين؟.
ثم أعاد بصره إلى الأمام، ودلفا طرقة طويلة؛ على يمينهما المكاتب، وعلى شمالهما حديقة الفناء.
- أرجوك سامحني يا سيدي ؟.
 - هذه قوانين يا صغيرتي!.
قالت شاهنده في نفسها: « أنت رجل غبي وأنا أعرف دواءك وسأجعلك تنسى كل هذا في لحظة كحال معظم المدرسين فجميعهم كانو مثلك يدعون الفضيلة، ولكن جسدي كان له تأثير السحر؛ فأنا الجميلة الذكية الأنيقة! سأشعلُ جسدك ناراً ما أن نصل ذلك المكتب... أعدك أيها الأبله؛ فجميعكم الرجال نقطة ضعفكم واحدة؛ نحن... نحن من نستطع اشعالكم وأيضاً إخمادكم!.»
وصلا الاثنان إلى المكتب؛ بدأت شاهندة بتصفيف خصلات شعرها المتدليات من أسفل الطرحة السوداء على عينيها الكحيلتين بأصابعها، ثم هندمة ياقة قميصها. وما إن دخلا المكتب؛ حتى دلف الأستاذ فهمي تجاه الأرفف ليحضر أوراق مذكرة الفصل؛ مد يديه إلى الأرفف، وكانت شاهندة قد تبعته إلى المكتب فظن أنها جلستْ، ولكنه فوجئ بنهديها يلتحمان بظهره بنعومة، ثم التحمت بظهره أكثر فأكثر، قالت بغنج:
- أرجوك يا أستاذي لاتفعل... سامحني ؟.
اقشعر بدنه؛ هدأ بعض الوقت وظل واقفاً؛ ظنتْ شاهنده أنه استمتع بهذا الوضع؛ ابتسمَت ابتسامة المنتصر، قالت:
- أرجوك أستاذي لا تفعل ؟ استدر و دَعْ تلك الأوراق، فلن ترضى عنك نفسك إن أنت آذيتني؟ استدر ؟.
ابتسم الأستاذ فهمي في صمت؛ استدار فتراجعتْ إلى الخلف، رفع وجهه ونظر إليها من خلف نظارته الزجاجية؛ وجدها قد فكَتْ بعض أزرار قميصها العلوية؛ تعرق فهمي خجلاً ودهشةً، أخرج منديلاً و هَمَّ بتجفيف عرقه، ابتسمَتْ شاهندة وظنت أنها اقتربتْ من هزيمته شر هزيمة وسينقضُ عليها ليستمتع بها وينسى ما حدث، لكنه نظر إليها شذراً، قال بتأفف:
- رجاء التزمي بالآداب وبقوانين المدرسة، وأستري جسدكِ؟.
قالت شاهندة ضجرة:
- سيدي المكتب هنا حار جداً ، ألم تأتِ أجهزة التكييف التي أرسلتها الوزارة ؟.
- الجو بارد جداً جداً ولا ينقصه أي تكييف !
- لقد ذرفتَ عرقاً منذ قليل !.
- الحقيقة ذرفته خجلاً!.
ضحكت شاهندة بغنج، قالت :
- وما الذي أخجلك؟.
-  سذاجتكِ... أتظنين أن جسدكِ سيشفع لكِ عندي؟ هيهات!.
نقأ وجهها، طأطأت رأسها أرضاً، أغلقت أزرار قميصها. قال:
- اجلسي؟.
جلستْ على كرسي أمام مكتبه ، وجلس هو على مكتبه، قال:
- سنكتُب مذكرة الفصل، وإن لم يحضر ولي أمركِ لنعلمه بمدى اهمالكِ ستفصلين نهائياً؟.
رفعت بصرها، قطبَت حاجبيها المرسومين بمهارة، قالت:
- أستاذي؛ أنا لا أرى أبي، فقط يترك لي أموالاً كثيرة بالبيت، وأمي مشغولة بحالها، وقد سبقَ أن ضبطها أبي أكثر من مرة تحادث رجالاً غرباءً بالهاتف وقال أنها خائنة، وتزوج من أخرى، ومذ ذلك الحين وأمي لا تعتبرني ابنتها بل تكرهني وتكره أبي.
- لا حول ولا قوة إلا بالله... قولي لي لماذا تخشين من فصلكِ من المدرسة ؟ ألن يمنحكِ ذلك الحرية؟.
- سيدي أنت لا تعرف؛ فقد سبق واشترط أبي على أمي وعائلتي لإن فُصلتُ عن التعليم ليزوجنني لأول رجل يتقدم لي وأنا مازلتُ صغيرة على الاعتقال بزنزانة الزواج هذه!.
قال فهمي مستنكراً:
- زنزانة!.
- نعم... أنا هكذا حرة؛ أخرج، أسهر، أرقص، أفعل كل مايحلو لي، إنما كلمة "زواج" يقشعر لها بدني!.
تعجبَ فهمي، صمتَ لحظات ليكتب المذكرة، ثم رفع وجهه قائلاً:
- لقد انتهيتُ من كتابة المذكرة، اقتربي لتوقعي عليها ؟.
اقتربت شاهندة والعرق يتصبب من وجهها، تناولتْ القلم بيد مرتجفة؛ وقع من يدها، تناولته ثانية؛ وقعتْ المذكرة على مضض.
شعَر الأستاذ فهمي بأنها توقع على قسيمة زواجها، قال لها ممازحاً:
- مباركةٌ عليكِ الزنزانة!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق