المتسولة هانم | قصة قصيرة لرمضان سلمي - مدونة رمضان سلمي برقي

اخر الأخبار

مساحة اعلانية

مرحبا بكم

الجمعة، 21 أغسطس 2015

المتسولة هانم | قصة قصيرة لرمضان سلمي


حكاية غريبة، سمعتها من صديقاً لي يعمل ضابط شرطة، سأقصها لكم بلا مبالغات، وبلا زيادة أو نُقصان..
***
في أحد ميادين القاهرة؛ في ظل شجرة كبيرة على الرصيف المقابل لإحدى المصالح الحكومية، وبالقرب من صندوق قمامة صغير؛ كانت تجلس امرأة عجوز؛ افترشت الرصيف بخرقة قماش مهترئة؛ ترتدي جلباباً أسوداً بالياً رثاً، وملامح وجهها توارت خلف طبقات الوسخ الأسود المتراكمة؛ بجانبها بعض زجاجات المياه الفارغة وبعض لقيمات الخبز وبواقي أطعمة جاهزة..
غابت الشمس؛ مر بها شابين مهندمين؛ استوقفتهم، قالت لهما:
- أنا في أمس الحاجه للمال ؟. حدجاها ثم ضحكا بصوت عال ومستفز، ارتجفت العجوز وتوجست خيفة، بدا مظهريهما مُقلِقْاً، قالت:
- حرام عليكما لا تستهزئان بي؟ أنا في عمر إمهاتكم !. رد الشاب الأول ”حمودة“ قائلاً:
- لا تأتِ بسيرة أمي أيتها الحمقاء، أمي أشرف منكِ بكثير.!  ارتبكت العجوز وأحست بالقلق، اقترب منها الشاب الثاني”عزوز“ ثم قرفص أمامها مبتسماً، قال:
- اتدرين أيتها المتسولة الصدئة لو أن أمي فعلت ما تفعلين لذبحتها !.  ارتعدت العجوز وأيقنت أن هذان الشابان لن يتركاها تمضي بأمان؛ نظرت من حولها فلم تجد مارة بالميدان ، فبدأ العرق يتصبب منها خوفاً على أموالها وعلى نفسها، اقترب حمودة أيضاً منها ثم نظر يمينا ثم يساراً، وجد الميدان قد خلا من المارة تماماً إلا من سيارات تمر من فينة لأخرى فأخرج من جيبه سريعاً "مطواة" ولوح بها أمام وجهها، قال:
- ما رأيكِ أيتها الخزينة أن تفتحي بابكِ ثم تهبين لنا كل ما برفوفكِ ؟. نقأ وجه العجوز وازداد العرق وتملكتها الرجفة وقالت بصوت متهدج:
-  لن تأخذا مني شيئاً فهذا تعبي وعرقي... حرام عليكما، أتسرقان امرأة عجوز ضعيفة محتاجة ؟ أرجوكما اتركاني أمضي ومالي بسلام ؟. قال حمودة:
-  إن لم تعطنا الأموال فسوف نذبحكِ ثم نأخذها... مارأيكِ الآن ؟. توقفتْ دقات قلب المتسولة العجوز من الخوف وعجزت عن الإجابة. وضع حمودة المطواة على رقبتها، قال عزوز:
- أخرجي الكيس هيا ؟. وفجأة؛ سمعوا صوت سارينة الشرطة تقترب على الطريق؛ نظرا الشابان إلى بعضهما البعض؛ أومأ عزوز لحمودة فطوح المطواة بعيداً عنهما ثم تراجعا سريعاً إلى الخلف وابتعدا عنها ثم غابا عن أنظارها. عادت دقات قلب السيدة العجوز لطبيعتها، والتقطت أنفاسها، وحمدت الله أن أنقذها من اللصوص. اقتربت سيارة الشرطة وتوقفتْ بالقرب من العجوز، صاح بها أحد أمناء الشرطة من خلف الزجاج بعد أن أنزله :
- هيا انهضي واذهبي إلى بيتكٍ، سأرجع بعد نصف ساعة فإن وجدتكِ فسأزج بكِ إلى السجن ؟. ثم انطلقت السيارة وغابت عن البصر بين المباني الضخمة، وقفت العجوز، هرعت تلملم حويجاتها لتترك المكان، وضعت يدها بجيبها وأخرجت هاتفاً لوحياً؛ اتصلت بشخص ما، قالت:
- أنا بانتظارك الآن لقد تغير الميعاد؟. ثم خبأت الهاتف في الجيب مرة أخرى. بعد ربع الساعة؛ أتت سيارة فخمة سوداء ملاكي القاهرة، توقفتْ عند العجوز ؛ نهضت العجوز ثم نظرت من حولها بحذر، وهرعت إلى السيارة وركبت ثم انطلقت السيارة. فجأة؛ ظهرا الشابان؛ فقد كانا يختبئان قريباً وشاهدا كل شيء ولكنهما مازالا مصدومان وحائران. سأل حمودة شارداً فيما رأى تواً :
- هل هذه السفينة سيارتها !؟. أجابه عزوز في ذهول :
- إن كانت سيارتها؛ فلماذا تتسول إذن؟ أم أن هذه السيارة اشترتها من أموال التسول؟.
- بسيطة يا عزوز؛ نأتي غداً بصحبة دراجتنا النارية، ونقطرها إن ركبتْ تلك السيارة ثانية ونتأكدُ بأنفسنا!.
- اتفقنا..
بعد عصر اليوم التالي؛ وقفا الصديقان غير بعيد يراقبان المتسولة العجوز ومعهما دراجة نارية..
مر الوقت؛ لم تأتِ السيارة الفخمة في ميعاد الأمس! قال حمودة:
- لقد إلتبس علينا الأمر ، ربما أحداً كان يساعدها .!
- لا أعتقد ذلك! دعنا ننتظر قليلاً فلن نخسر شيء ؟. فجأة؛ أخرجت العجوز الهاتف، بعد أن تأكدت من خلو الميدان من المارة؛ تحدثت به ثم دفنته ثانية بدهاليز ثيابها المهلهلة؛ لم تطل مدة المكالمة.
نهضت ولملمت حويجاتها ثم وضعتها في كيس قماشي أسود كبير وأمسكته بيدها،  وبدأت تمشي ببطء وبخطوات هادئة حذرة صوب شارع جانبي مظلم ، ثم هرولت حتى وصلت ذلك الشارع. بعد لحظات؛ ظهرت نفس سيارة الأمس، ركبتها، ثم مخَرتْ بها بين أمواج المدينة، ضحك عزوز قائلاًً:
- هاهى قد ركبت نفس السيارة! كان عندي ظن أنها ليست متسولة عادية، وها هي ظنوني بدأت تتحقق أمامي!.
- إذاً هيا نتبعها يا صديقي سريعاً؟. وانطلقا الاثنان بدراجتهما النارية خلف سيارة المتسولة العجوز، حتى وصلت إلى منطقة سكنية راقية بإحدى أحياء القاهرة ثم توقفت السيارة أمام برج سكني كبير. توقفا الشابان بدراجتهما غير بعيد يتأملان ما سيحدث؛ نزلت المتسولة العجوز من السيارة وقد بدلت ملابسها وتخلصت من الملابس الرثة وارتدت ملابس فاخرة؛ واستحالت من متسولة إلى هانم .
جرى صوبها البواب وحمل عنها الحقائب، ثم انطلق السائق ليترك السيارة بالمرآب، ويغادر. دخلت العجوز إلى البرج فاتبعها البواب ، ودخلا المصعد الكهربائي ، ثم علا بهما. وقفا الشابان مذهولين مصدومين!!
قال عزوز:
- تلك المتسولة هانم، أموالها حلال لنا؟.
- حلالُ حلال!.
ضحكا الاثنان، قال حمودة:
- ولكن كيف سنصل إليها ، ونعرف رقم شقتها وكيف سندخل ؟.
- اتبعنِ؟. عاد البواب وجلس على كرسيه أمام مدخل البرج فذهبا إليه الشابين؛ خرج السائق من المرآب وابتعد. سلما عليه ثم جلسا من حوله، قال عزوز:
- هل توجد شقق للإيجار بهذا البرج ؟. رد البواب بشغف :
- بلى؛ يوجد الكثير لدينا.
- الحمد لله ، أرحت قلبنا أراح الله قلبك. سأله حمودة:
-  كم الأسعار هنا ؟.
- سأسأل الهانم فهي دائماً تذبذب الأسعار إما صعوداً وإما هبوطاً؟. أخرج البواب هاتفه المحمول من جيبه؛ اتصل بالسيدة العجوز وأخبرها بالأمر وسألها عن ثمن إيجار الشقق وأجابته. أعطى حمودة للبواب سيجارة محشوة بالحشيشة؛ لم يرفض البواب وبدأ بالشرب والاندماج مع الشابان، سأله عزوز:
- من هى صاحبة البرج ؟.
- اسمها ”هانم“ وهي صاحبة هذا البرج وتلك السيارة أيضاً وأموالاً بالبنوك، لكني الحقيقة لا أطيقها!.
فقاطعه حمودة بعد أن لاحت على وجهه ابتسامة ماكرة :  - لماذا يا مسكين ؟. - لأنها امرأة بخيلة ومتعجرفة ، ولا تعطيني عمولة حسنة عندما أجلبُ لها زبائن لإيجار شقق ببرجها ، لقد مللتُ وأريد أن أترك العمل عندها ، ولكن أين سأعمل؟ الحال نائم!. قال عزوز:
- حسنا سنعطيك نحن عمولة كبيرة عندما نؤجر الشقق هنا.  فرح البواب كثيراً بحديثهما له ، وشعر براحة وطمأنينة، سأله عزوز :
- شقة الهانم كم رقمها وفي أي طابق هي ؟.
- بالطابق الرابع بالشقة رقم ثلاثة. سأله حمودة:
- هل لك أن تأخذنا معك لأعلى؛ فنحن نريد أن نشاهد الشقق التي سنؤجرها ؟.
- أجلاها للغد ؟.
قال عزوز في نفسه : « يبدو أن مفعول الحشيشة انتهى!» ثم قال :
 - خير البر عاجله ، ونحن مشغولان غداً لأننا نعمل بالنهار وسنراضيك إن شاء الله وسترضى.
وافق البواب على مضض؛ دخلوا الثلاثة المصعد وتوقفوا بالدور الثالث ثم نزلوا ، وعاينوا الشقق..
بعد دقائق؛ فاجئا البواب بضربات أفقدته الوعي، ثم خلعا عنه ملابسه وارتداها حمودة ثم قيداه ببعض الحبال التي يستعملها عمال التشطيب لربط سقالاتهم. صعدا حتى وصلا إلى شقة ”الهانم“ ودقا الجرس. وقف حمودة بملابس البواب أمام العين السحرية لباب الشقة. كانت الهانم تفتح خزنتها وتضع إيراد اليوم وترتب أموالها وذهبها ، فعندما سمعت جرس الباب تركت الخزنة مفتوحة وخرجت لترى مَنْ بالخارج؛ نظرت من العين السحرية؛ رأت أجزاء من جلباب البواب فظنته هو، فتحت الباب ففوجئت بالشابين المشاغبين؛ إنقضا عليها الاثنين، حاولت أن تهرب أوتصرخ أوتستغيث؛ فسارع عزوز باخراج مطواته وذبحها، ثم استولا على كل ماكان بالخزنة من أموال وذهب، وهربا..
مرتْ الشهور؛ ذات مرة وقفا الصديقان بسيارتهما الفارهة في أحد الأكمنة باطراف القاهرة، كانا سكارى، وبصحبتهم فتاتي ليل، اقترب ضابط الكمين، سألهما:
- بطاقتيكما ورخصكما؟.
أخرجا المطلوب، اخذ الضابط البطاقتين، دخل إلى المبنى، ونظر إلى لائحة المطلوبين، فوجدهما على رأسها، خرج مسرعاً، وقبض عليهم، حاولا يستفهما،قال الضابط:
- انتما متهمان بقتل وسرقة سيدة أعمال شهيرة ؟.
نظرا لبعضهما البعض وقالا في صوت واحد:
- إنها متسولة حقيرة، من قال لكم أنها سيدة أعمال؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق