دق هاتفه؛ نظر بشاشته؛ وجده رقماً غير مسجل بدفتر هاتفه؛ فتح الخط، قالت المتصلة على استحياء:
- السلام عليكم؟.
صمت قليلاً ليسترجع شريط ذكرياته، ثم أدرك أنها ”هي“.
هو ذاته صوتها، هي ذات دقات قلبه حين يحادثها، هي حبيبته التي رحلت عنه منذ سنوات وتركته خاوي القلب، وتركت قلبه خاوي الحياة، وتركت حياته خاوية الألوان؛
يعرفها جيداً حتى من جرس هاتفه إذا ما كانت هي المتصلة، حتى عندما تهم لتستعيد ذكرياتها معه؛ يكون هو هو أول المتفرجين ..
- وعليكم السلام!.
وبعد أن رد عليها سلامها، لاذا الاثنان بصمت مطبق؛ لكن قلبيهما بدءا يتعاتبان ويتشاجران ويتبادلان كلمات الشوق، ويتعانقان، ويتبادلان القبلات!.
كسرت الصمت ”هي“ سائلة إياه:
- لو سمحت، ده رقم دكتور طارق ؟.
فأجاب ”هو“:
- لا . لأ .لأ مش طارق أنا!.
- طيب شكراً.
وعاد الصمت ليخيم على الحبيبين، وسط ارتجاف قلبيهما سعادة بالاتصال وخوفاً مما بعد الاتصال؛ كسر الصمت هو، قال:
- تلعبي معايا لعبة التمثيل؟.
ضحكت، فزلزلته ضحكتها فانتشى قلبه الذي تعطش لسماعها سنين. قالت هي بشرود:
- اممم ... ألعب!.
قال هو:
- أنا بقالي سنين نفسي ألعبها؛ بصي هنمثل دور حبيب وحبيبة، في مكالمة تليفون، وليهم سنين مش كلموا بعض، وهم الاتنين واحشين بعض موووت، وهم الاتنين جرحوا بعض ومعملوش حساب للحب اللي كان بينهم؟.
أدمعت عيناه، وهي كذلك؛ واصل كلامه، قال:
- إيه رأيك موافقة؟.
ردت عليه بصوت متهدج:
- اممم... موافقة!.
- طيب تمام؛ إنتِ هتقومي بدور الحبيب ولا الحبيبة؟.
انفجرت من الضحك؛ سعد لأنه أضحكها وأكمل حديثه، قال:
- خلاص قومي انتِ بدور الحبيب؟.
- ازاي يا عم انت أنا بنت!؟.
- خلاص خليكي في دور الحبيبة عشان انتِ بنت بس؟.
- طااايب يا مجنون!.
وصمتت فينة ثم قالت:
- ومين هيبدأ أنا ولا أنت ؟.
- أنا!.
- طب قول؟.
وفجأة أنهى المكالمة، وبعد لحظات اتصل بها مجدداً، فقالت له:
- إنت قفلت ليه؟.
- عشان نبدأ التمثيلة صح!.
فجأة، أنهت هي المكالمة! حينها تعجب هو وقال في نفسه: «لربما أنهت المكالمة لنبدأ التمثيلية بإتقان!» دق هاتفه، رد سريعاً:
- حبيبة قلبي وحشتيني مووت؟.
- حبيبتك مين ياعم إنت؟.
وجده صوت أخيه الصغير؛ جَفل من المباغتة ، نظر بشاشة هاتفه، فوجده بالفعل رقم أخيه الصغير، قال له أخيه:
- ماما بتقولك هاتلنا أربعة كيلو بؤصمات من عند عم حنفي وخليه يتوصى، واخطف كيلو لبن من السوبر ماركت وإنت طالع؟.
- حاااااضر هخليه يتوصى لأمك بنص كيلو بلوشي، أصل عم حنفي من باقية عيلتنا! وهجيبلك اللبن ياعم ويارب تتفطم بقى وتريحني!.
ثم أنهى المكالمة مع أخيه الصغير. أفاق ”هو“ من لحظته الشاعرية؛ هبَ واقفاً بعدما كان جالساً بالمقهى الهادئ القابع بناصية شارعهم، ثم جلس مرة أخرى، قال في نفسه: « سأُعيدُ الاتصال بها تارة أخرى!.» طلب رقمها؛ سمع صوتاً أُنثوياً مسجلاً يقول: «الرقم المطلوب قد يكون مغلقاً، من فضلك عاود الاتصال في وقت لاحق؟.»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق