عوالم مجهولة | قصة _ الجزء الأول لرمضان سلمي - مدونة رمضان سلمي برقي

اخر الأخبار

مساحة اعلانية

مرحبا بكم

الخميس، 16 مايو 2019

عوالم مجهولة | قصة _ الجزء الأول لرمضان سلمي


(ج1)
تثاءب، فغفى. لحظات فاستيقظ.
فرك عينيه، ولمَّا أفاق قليلًا، رفع يده، واستأذن من مُدرِّس الحِصة التي تسبق الفُسحة:
- أريد الذهاب إلى المِرحاض من فضلك؟
سمح له. أخرج شيئًا من درجه، وخبأه أسفل قميصه الأزرق، وشيئًا صغيرًا في جيب بنطاله الأسود وتحرَّك، وقبل أن يخرج من الباب؛ أرسل بطرف عينه نظرة إلى صف الفتيات المُلاصق للحائط؛ لاحظ مقعد ”جيجي“ شاغرًا: أين اختفَتْ؛ لقد كانت مكانها منذ دقائق. ثم حانت منه نظرة إلى ساعته الرقمية: باقي على الفُسحة ربع ساعة!
خرج يتمطَّى بأعين ناعسة، خلَّف وراءه لافتة كُتب عليها: ”مدرسة القاهرة الإعدادية المُشتركة؛ مدرسة نظيفة مُتطورة“ ولافتة أصغر أسفلها: ”ثانية رابع“.
لم ينم ”تامر“ ذو الأربعة عشر عامًا، جيّدًا الأمس.
كان يقرأ قصصًا لكاتب الرعب ”لوفكرافت“، ومقالات عن "العوالم المتوازية".
ذُهل من نظرية الأبعاد الكونية. طيلة الليل حاول أن يتخيَّل أنسب درجات لزاوية ميّل يمكنه معها فتح فجوة زمنية، أو بوابة كونيّة بُعديّة، بسبب التقاء الميل بميل لعالم بُعدي آخر؛ بُغية المرور إلى العوالم المُتوازية، التي تشاركنا الحياة على كوكب الأرض، بأبعاد محجوبة عنَّا؛ مثل عالم الجن البُعدي، أو بقيّة عوالم المخلوقات العاقلة المجهولة لنا، والتي يقول عنها البعض: "كائنات فضائية".
يتفكَّر  مُنذهِلًا؛ كيف لبيته في بُعده البشري هذا، أن يكن في عالم بُعدي آخر بحيرة، وربما صحراء قاحلة، أو مملكة للأقزام! وكيف أنّ تلك العوالم تتراكب فوق بعضها البعض بزوايا ميل، مرتفعة عن عالمنا او مُنخفضة، مُكوِّنة أكثر من سبع عوالم؛ إن قيست درجات ذلك الميل بدقة؛ استطعنا النفاذ إلى تلك العوالم من خلال فجوات بُعدية، عن طريق تسليط طاقة كهرومغناطيسية شديدة؛ تُحدث خللًا في النسيج الزمني: شيء عجيب ومُذهل!
وانهمك في صنع أشياء غريبة؛ تارة ينزل إلى الشارع ليبتاع أسلاكًا كهربية وبطارية، وتارة يجرِّد الأسلاك من ثوبها البلاستيكي ويجدلها، وأُسرته نائمة في ثبات سرمدي. مدرسته؛ يمكن أن تكن في عالم بُعدي آخر: مراحيض عامة لمخلوقات تُخرِّج فضلاتها من آذانها! تقزز من الفِكرة. اتصل بصديقته ”جيجي“ حكى لها عن كل ماقرأ، قالت له: إغلق المكالمة ونم يامجنون؟ وفي الصباح؛ كوّر شيئًا حول خِصره قبل أن يلبس قميصه، وقبل أن يذهب إلى المدرسة.
فكَّر في بداية السُلم المدرسي! ثم نزَل إلى نهايته.
نظر حوله عدة نظرات حذِّرة، فلم يجد أحدًا؛ الجميع مُنشغِل في حصصه، وصدى أصوات التلاميذ كجوقة يصرخون من فيّنة لأخرى بتكرار الكلمات المبهمة لأذنه خلف المدرسين!
وقف أمام ميل بداية السُلم، ثم فتح بعض أزرار قميصه، وأخرج من داخله مثلث صغير، اقترب من صَدَفة السُلم، قرفص أرضًا؛ ثم أدخل المثلث أسفل السُلم، فتوازى الضلع الأعلى بالسقف، والأسفل بالأرضية؛ شهَق فرحًا: لقد نجحت!
- ماذا تفعل يامجنون؟
فاجأته فوقع منه المُثلث، انتفضَ واقفًا ومُتراجِعًا إلى الخلف!
- جيجي! لقد أخفتني؟
وجد جيجي تقف نحيفة مثل عصا المكنسة، بقميصها الأزرق وتنورتها السوداء وحجابها الأبيض مُتعجِّبة:
- ماذا تفعل أسفل السُلم؟
- ألا تتذكرين ما قلته لكِ بالأمس في المكالمة؟
ابتسمت:
- لقد ظننتها حُلمًا؛ هل أنت جاد فيما قلته؛ هل تُصدِّقه؟
تقدَّم مُنحنيّاً، والتقط المثلث ثم استقام وراح ينظفه من الأتربة، نافثًا فيه:
- لقد بحثتُ عنك بعينيّ فلم أجدك؛ أين كنتِ؟
- لِما لم تبحث عني بعقلك، إذا لعرَفت أين أنا!
- طيب؛ لقد عرفتُ أنك كنتِ بالمرحاض؛ الآن نريد أن نفتح بوابة لعالم بعدي غير هذا؛ لنقابل مخلوقات جديدة، ونصنع صداقات أيضًا، ونرى مالم يراه البشر... ها ما رأيك؟
قالها تامر بملامح حالمة مُشبَّعة بالأمل، في حين أن ملامج جيجي كصفحة بيضاء، لا انفعال فيها:
- لا أدري! المعلومات عندك أنت، إن كنت صادقًا فلترني "كيف؟" يا نبغة زمانك؟
تطلّع لها مُبتسمًا، ثم فتح بضعة أزرار من القميص وأخرج شيئًا في كيس كان مطويًا حول خِصره! تقلَّصت ملامح جيجي واقتربت تتحسس ذلك الشيء بذهول: ما هذا؟!
أعطاه لها تحمله حتى يُغلق أزرار قميصه، ثم خطفه منها، وراح صوب ميل السلم، جثى على ركبتيه، وفتح الكيس وأخرج شبكة منسوجة من أسلاك نحاسية دقيقة طيِّعة؛ يخرج من أحد أطرافها سلكين طويلين يتوسَّط أحدهما زر تشغيل، وينتهيان ببطارية.
فردَها فتبدَّت مساحتها المُستطيلة التي تعدَّت المتر عرضًا، والنصف متر طولًا.
- تعالي ساعديني لا تقفين كالبلهاء هكذا؟
لمّا نادى تامر على جيجي؛ هرعت إليه...
اخرجي من جيبي شريط اللحام؛ نريد أن ننجز العمل قبل الفُسحة؟
ألصق الشبكة بسقف صدفة السُلم، وراحت جيجي تزَّاور من حوله لتُأكد على أطراف الشبكة بقِطعًا من شريط اللحام، حتى انتهوا من لصقها وهم يبتسمون، وقد نضح وجهيهما عرقًا.
- اقعدي بجواري؟
نزلا على ركبتيهما مُستقبلين الشبكة السلكية أسفل السُلم، وكأنهما يصليان. البطارية مُسجاة على الأرض، وفي يد تامر زر التشغيل!
ابتلعت جيجي ريقها، نظرت إلى تامر الذي يركز نظره إلى الأمام:
- لو أن أحدًا رآنا هكذا لأُبرحنا ضربًا؛ تارة من الأساتذة والناظر، وتارة في البيت!
- لا تخافي؟
ضغط تامر الزر، فلم يحدث شيئًا، فتأملا وجهيهما في خوف، وفجأة؛ سمعا أزيزًا وقرقعة، نظرا إلى الشبكة وجدوها مُشتعلة بموجات كهرومغناطيسية تتوالى وتتوسّع دون توقف! دقّ جرس الفُسحة على حين غفلة؛ نظر تامر سريعًا إلى ساعته: لقد مرّ الوقت؛ سيروننا!
سمعا دبيب أقدام التلاميذ ينزلون على السُلم؛ ابتلع ريقه، مسك تامر بيد جيجي؛ احمرّ وجهها:
- ماذا سنفعل؟
سألته بقلق، فلم يجد وقتًا ليجب؛ توسعَت الموجات المُشتعلة من حولهم وشملتهم، ثم توقفت فجأة. ولمّا وصل التلاميذ إلى الأسفل، لم يلاحظوا وجود أي أحد أسفل السُلم أبدًا؛ حتى الشبكة وموجاتها.
***
جريدة الأهرام
السبت 27 أبريل
”اختفاء طفلين من مدرسة "القاهرة الإعدادية المُشتركة" في ظروف غامضة، وجاري البحث والتحقيق لفك مُلابسات الحادث“
*** يُتبع...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق