والغجرية الخمرية الفاتنة، وشفتيها البراقتين برضاب الحياة، بصحبة بنادق الرش، وقرقعة «البمب». وأرجوحة تنطلق من نقطة ما في الماض الساذج، عابرة بوجوم نحو مستقبل مُظلم، غير آبهة لحاضر كرتوني هش؛ سقط عمدًا من حسبان دورة الزمن...
- قبلة!
كانت قد تسلّلت معي آخر الليل مابين الموتى، وضوضاء "المولد" تسلَّلَت معنا بطيئة أيضًا، وخبت الأضواء...
- أنت صغير!
-فقط قبلة؟
- خمس جنيهات أولًا؟
كانت الخمس حينها تعادل خمسمائة؛ ربما!
من بين قبور الموتى، حذّرني أحدهم:
- ستقتلك قبلتها... كلنا ضحاياها ياولدي؟
- خذي جلبابي ذكرى... سأعاود لداري عاريًا... فقط قبلة؟
كسَّرت الورقة، ودستها بين نهديها، فلمحتهما...
- ورشفة من نهديكِ...
صاحت:
- فقط قبلة!
عاودني الميت بعظاته؛ كان أبي. جدي جواره يضحك:
- لن يتعظ... دعه يرتوي، موضعه جوارنا شاغر؟
اقتربَت، والتحمتْ شفتانا، وسال رضاب الحياة!
وهي راحلة؛ كانت تكسّر روحي بين أصابعها، وتدسها بين نهديها، وتجرجر جلبابي باليد الأخرى!
وفجأة؛ وجدتني راقدًا في المقبرة جوار أبي، وجدّي مازال يضحك! قُبرت عاريًا، ولمّا وجدتهم عُراة؛ ضحكتُ!
لم يعد يصلنا ضجيج ليال "مولد سيدي حسن" وسط المقابر، ولا صياح العيال، وضحكات الرجال، وحلقات الذكر؛ لم يكن هناك سوى صمت القرية.
___________________
(مولد سيدي حسن)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق