طرأت على بالي تلك الجملة الشهيرة للمبي ألا وهي (السكر غلي ونحلوا بإية) رغم أنها طرحت بأحد الأفلام قديما وقبل تفاقم أزمة السكر التي أدمت المواطنين البسطاء، إلا أنها بمثابة استفسار وبحث عن بديل ..
لكن السكر -حقيقة- ليس له بديل، كما قال اللمبي متسائلا بتساؤل خال الأمل من العثور على بديل (ونحلو بإية)..
_ رحلة البحث عن سكر:
في أوائل أيام الأزمة، وقد كنت لا أعرف بعد بها، فأنا أشغل وظيفة (أمن وحراسة) في مدينة سكنية ما، ولا يمكن الغنى بها عن الشاي-مثلا- فبعد إفطاري وزملائي، لابد من كوب الشاي ..فغدوت رواحا ومجيئا باحثا ولاهثا عن السكر ، في كل المحال والحوانيت والسوبر ماركت، وصعقت عندما لم أعثر على أي (كيس سكر)، بأي من تلك الأماكن التي بحثت بها ..
_ مسببات الأزمة:
وبآخر تلك (المحلات) وقد كانت غرفة صغيرة معرشة بالألواح الخشبية أمام منزل ما متواضع ..كانت هناك سيدة ، فسألتها عن حاجتي لكيلوا من السكر؟..
فأجابتني: معندناش سكر .
فقلت لها متسائلا: أنا دورت فكل المحلات مفيش، ممكن أعرف إية السبب؟..
فأجابتي بلهجة حادة:
من اللي بيعملوا فينا التموين; بطلنا نجيب سكر وسجاير ..
تساءلت في نفسي -كمان مرة-ماذا فعل بهم التموين؟..
وقد قرأت بعدها ببعض الجرائد أن (التموين) وضع تسعيرة للسكر، والسجائر، وكروت الشحن، عندما استغل التجار الجشعين تفاقم الأزمة، ووضعوا لتلك السلع أسعار من ضروب الخيال،لعدة أيام ..
ومما لاشك فيه، فأنا لا أستبعد أنهم كسبوا من جراء فعلتهم -واستغلال حاجة المواطن لتلك السلع- ألاف الجنيهات ..
عندها انقضت مباحث التموين -تدعمها الشرطة- على أولئك التجار-الاستغلاليين- وصادروا ماتبقى من تلك السلع .... هذا مافعله (التموين) بهم، وهذه تحسب للحكومة، ولكن ماذا بعد ..
وأذكر وقتها مواطن قال لي: "أن قسم الشرطة كان يبيع بعض من تلك السلع المصادرة للتجار من الباطن بأسعار زهيدة" ..
تعجبت كثيرا، وتذكرت ذلك المثل-إن كان ماقاله صدق- وهو (رزق ناس على ناس) والمثل الآخر (يسلط أبدان على أبدان)..
وتساءلت ماذا لو التزم أولئك التجار بتلك التسعيرة، ولم يشرعوا في ذبح البسطاء بسرقتهم رغما عنهم؟... مؤكد أنهم ما كانوا خسروا تلك السلع، ولكنه كما يقال بالمثل (الحرام مبيدومش) ..
المهم; أنني اشتريت كيلوا سكر بعدها بيوم بسعر 10 جنيهات ..
_ الأزمة على شبكة الإنترنت:
فتاوى واختراعات وتأليف، وكل يدلي بدلوه، بل يقدس رأيه في تلك الأزمة، ولا يحيد عنه ..بعضهم شطح وقال "أنه مخطط من الإخوان!".
هل هذا مبرر سيدي الفاضل؟ بل هل هذا حقيقي أم محض نفاق؟ إلى متى ستعلق الأخطاء على تلك الشماعة ؟..
البعض قال: "أنه عجز وتخازل للنظام الحاكم للبلاد، فبالفترة الأخيرة أصبحت الحكومة تفاجأ كثيرا، بمثل تلك الأزمات "..
وإن دل هذا في رأيي فهو يدل على (فشل) يتربع داخل تلك المؤسسات، والفساد لا زال قطعان ترعى بأوصالها ..
وجنح البعض إلى "أن النظام الحاكم لا يكترث للمواطن البسيط، ويعتبره : كائن لا حقوق له" بيد أنه أول وآخر من يتأثر بتلك الأزمات في ذلك البلد المقدس، المشرف على غضب سينبع من إيمان عميق بداخل قلوب هؤلاء البسطاء وأمثالهم، بأنهم بالفعل مهمشون وعن قصد ..
فهل ستفيق الحكومة من غفوتها ونومها فالعسل، وتحاول إصلاح ما تم إفساده ؟.
أم سينتظرون نزول أولئك المواطنين المقهورين، يوم 11/11 لينضموا إلى الإخوان ويطالبون بسقوط النظام الذي لا يعترف بهم، فمن الأولى أيضا أنهم يطالبون بإسقاطه ولا يعترفون به ، وهذه بتلك، ومن ثم البحث عن نظام كفء يرعاها جيدا ..
_ المسؤولون عن الأزمة:
نستنبط مما طرح أن هناك طرفان مسؤولان عن تفشي الأزمة ..*التجار منعدمو الضمائر .
*والحكومة ..
التجار الذين يخزنون تلك السلع، ويبيعونها بأسعار وهمية، ناشدين الغنى السريع، بغض النظر عن معاناة المواطن، لذلك يقال "أن الغلاء منا فينا"..
يأتي هنا دور الحكومة، فهي الرقيبة على هؤلاء، ولابد لها من إعادة ضبط السوق، وضبط الأسعار، وتوفير السلع بأسعار مناسبة، ومعاقبة المخالفين وإيجاد حلول ..
وقد قرأنا مؤخرا أن
التموين قامت بضخ كميات كبيرة من السكر بالمجمعات الاستهلاكية، والمنافذ التابعة لها، وتم الاتفاق مع بعض السلاسل التجارية على بيع السكر للمواطنين 5جنيهات للكيلوا .
وأنه سيتم تنظيم حملات موسعة تستهدف التجار القائمين على تخزين السلع وبيعها للمستهلك بأسعار مرتفعة ..
وقد قالت جريدة الجمهورية" أن مصر تقوم حاليا "باستيراد 620 الف طن سكر،ونصف مليون طن أرز ، وتوفير 70 سيارة للتوزيع بالمحافظات ..
_ ثورة الجياع ومداهنة النظام:
نجاح أي ثورة يتأتى من فشل الأنظمة، وإهمالها لبعض فئات المجتمع، التي بدورها لا تجد سوى الشارع لتصرخ بأعلى صوتها، وتطلب حقوقها ..رغم كل مآزق البلاد، لا زالت هناك أصوات تداهن وتنافق على حساب تلك الفئات المظلومة، لحساب النظام الحاكم ..
الحقيقة: إن الأنظمة تذهب بين يوم وليلة وتتبدل، ولكن الشعوب باقية إلى أن يأذن الله وتقوم الساعة ..
فهل يدرك ذلك هؤلاء المداهنون؟.
وأعتقد أن من يداهنون النظام، هم من لا يبرحون تلك المكاتب والسيارات المكيفة، من الذين لا يعرفون معنى الفقر الذي توغل بين طبقات المجتمع كفيروس لا علاج له، ولا يشعرون بمعاناتها ..
فواقع الأمر: أن الأنظمة لا تحتاج لمن يدافع ويحامي لها، فمن المفترض أنهم أدرى منا بضروب السياسة ..
_الفقر وتمجيد الحكام:
كنا نقدر السيد الرئيس، وندعمه حتى في سرنا وندعوا له، ولكن الآن وأمام المهزلة التي لجنا بها جميعا، واللجوء للقروض مرة أخرى، والعجز أمام الغلاء، وفرض ضرائب كعبء فوق كل الأعباء التي ينوء بها كاهل الشعب; لا مجال لتمجيد الحكام والتماس الأعذار لهم، فهم رعاة ومسؤولون عن رعيتهم أمام الله، وأمام رعيتهم ..فقط نريد الاهتمام بالمواطن المثقل الكاهل، نريد توفير خدمات ومعاملات آدمية له ..
ونأمل أن يعامل بمثل الاهتمام بضابط الجيش أو الشرطة-فكلنا أبناء تلك الأرض- لأن عندها (صدقني سيدي الرئيس لن نجوع أبدا) ..
وحفظ الله مصر من كل سوء ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق