عاشق من الجحيم | قصة قصيرة لرمضان سلمي - مدونة رمضان سلمي برقي

اخر الأخبار

مساحة اعلانية

مرحبا بكم

الخميس، 5 نوفمبر 2015

عاشق من الجحيم | قصة قصيرة لرمضان سلمي





أحضرَتْ الأم المفتاح، اقتربت من الباب، همَّت بإيلاج المفتاح إلى مخدعه، سمعتْ صرخة ابنتها وتهزم زجاج؛ ارتجفت.
فَتَحتْ الباب على عَجَل، دخلت، أضاءت الغرفة؛ وجدت المرآة قد انفجرت وتناثر فتاتها أرضاً، ولم تجد ابنتها!.
هرعتْ تفتح ضلفات الدولاب؛ لم تجدها، بحثت تحت السرير؛ لم تجدها، صرختْ وسقطتْ أرضاً مغشى عليها..
البداية...
في غرفة نومها الشديدة الإضاءة؛ المكونة من سرير، ودولاب، وتسريحة، وترابيزتين لصق السرير، ومن فوقهما أباجورتين، وبعض المجلات الملونة، وبعض صور لنساء أنيقات ملصقة بالجدران؛ ارتدتْ "جميلة" ذات السبعة عشر عاماً قميص نومها الأحمر القصير؛ فلمعَت سيقانها المرمر تحت الدانتيلا، وصرخا نهديها من حبكته عليهما، وتهدل شعرها الأحمر الناعم فوق كتفيها العاريين الأبضين بتأن.
دلفت صوب المرآة؛ أزاحت الكرسي جانباً، أخرجت من درج التسريحة مكحلة؛ مسكت بالمرود المخضب بالكحل؛ وضعته بين أهدابها، أطبقت جفنيها عليه، وسحبته ببطء؛ فتحت عينها الواسعة فتجلى بؤبؤ عينها الأخضر فبدت حدقتها كجنة بين قوسي الليل. وبعدما انتهت؛ مسكتْ بقلم الحواجب الصغير وراحت تحد حاجبيها الأزجين وتزد من سوادهما. وبعدما انتهت؛ مسكتْ بإصبع أحمر الشفاة؛ وراحت تدور على شفتيها العنابيتين الممتلئتين حتى الشدقين. وبعدما انتهتْ؛ مسكتْ بقطعة اسفنج صغيرة مدورة، غرستها بعلبة البُدرة، رفعتها صوب وجهها وهمَّت بذرها ثم توقفتْ، تمتمت:
- والله إن وجهي لأشد بياضاً من البُدرة.
أعادتها إلى علبتها، تفرستْ جسمها الفائر الملفوف بالمرآة بتمعن وانبهار وكأنها المقابلة الأولى مع جسدها، عضت شفتها بإعجاب مما ترى من ملاحة، بدأت تتحسس تضاريس جسمها بطريقة شرهة وغريبة!.
توقفت فجأة؛ سألت نفسها:
- ماذا دهاني وما الذي أفعله ؟.
ثم ابتسمت، وقالت شاردة:
- ماذا لو رآني شاباً وسيماً بهذه الهيئة المثيرة؟ - ثم عادت لتتحسس جسمها - بالتأكيد سيوبلني بسيل من قصائد الغرام والهيام والغزل - ثم ضحكت بغنج - ولربما حملني فوق ذراعيه ورمى بي فوق سريري و... - ثم تأوهت - ماذا يحدث؟ وماذا أفعل بجسدي؟ لقد أصبحتُ أتلفظ وأتحدث كالعاهرات... سحقاً لحماقتي!.
أبعدتْ يديها عن جسمها؛ بدأت ملامحها تتبدل؛ أحست بأنها تقمصت شخصية رجلاً معجباً بها؛ بدأت تنظر إلى نفسها داخل المرآة وكأنها رجلاً وأمامه جميلة، وبملابس نومها القصيرة. وبدأت يداها تتحرك بدون إرادتها لتتحسس جسدها منطقة تلو الأخرى، وتدهس تضاريسها البارزة والغائرة وتعتصرها بشراهة وسط استسلامها ليديها!.
بعد لحظات؛ جحظت عيناها، التهب جسمها، انتابتها رعشة خفيفة، تحرك لسانها، قالت:
- مازلتِ جميلة ومثيرة ياصغيرتي، وكلما مرت الأيام ازددتِ جمالاً ودلعاً، أنا أحبكِ بل أعشقكِ، تعالي بين أحضاني؛ أنا الذي سيمتعكِ بالحياة وسيحقق لكِ جميع أحلامكِ وأمنياتكِ تعالي؟.
وبدأ ذراعيها بتطويق جسمها بقوة حتى سمعَتْ قضقضة عظامها. فجأة طُرق الباب؛ فتوقف كل شيء، أفاقت جميلة؛ شعرَتْ بالخوف والقلق مما حدث، حاولت طمأنة نفسها، قالت:
-  لقد أسرفتُ في اندماجي بتقمص دور الشاب المعجب؛ حتى كدتُ أن أتحرش بنفسي، بل تحرشتُ بنفسي بالفعل - ثم ضحكت بغنج - سأفتحُ الباب !.
فتحتْ الباب؛ دخلتْ "حنان" أختها الكبيرة، كانت بالعقد الثالث من عمرها، مرتديةً عباءةً سوداءً وطرحةً زرقاءً، ربعة القامة؛ بيضاء البشرة، مليحة التقاسيم كأختها؛ احتضنتها وقبَّلتها على خديها، فشعرتْ حنان بأن جميلة تُقبِّلها بتأفف؛ قطبتْ حاجبيها، دلفت صوب السرير، أزاحت هاتف جميلة الملقى على السرير جانباً، جلستْ على طرفه وراحت تتأمل الغرفة..
أغلقتْ جميلة الباب؛ ودلفت صوبها، وجلست بجوارها، حدجتها حنان، قالت:
-  مابكِ ياصغيرتي؟ مابال وجهكِ شاحب؟.
-  حقاً شاحب كيف هذا؟ - ثم هرعت إلى المرآة - أين ذلك الشحوب؟ لايوجد أي شحوب؛ بشرتي بيضاء كاللبن الصافي الذي لم ولن يتعكر أبداً... بالطبع أنتِ تمزحين معي يا أختي - ثم عادت لتجلس بجوار أختها على طرف السرير - أنا أعرف أنكِ تمزحين... كيف حالكِ وحال زوجكِ وطفلكِ الجميل؟.
- نحن بخير حبيبتي والحمد لله! ولكن كيف حالكِ أنتِ؟ لا أحد يراكِ! أليس لكِ أخت تسألين عنها؟.
- الدنيا تلاهي.
نظرَت حنان بجوار السرير؛ وجدت مجلات ملونة مرصوصة فوق ترابيزة لصق السرير، تناولت واحدة، قالت:
- موضة، أزياء، مساحيق تجميل - ثم تركتها حيث كانت - أين كتبكِ المدرسية؟.
- بالحقيبة!.
- حبيبتي... لقد رسبتِ لعامين متتاليين! ألن تركزين بدروسكِ وتهتمين بمستقبلكِ؟.
وقفَت جميلة، تناولت المجلة، قالت:
- هذا مستقبلي!.
ضحكت حنان، قالت:
- راقصة أم عارضة أزياء؟.
ألقت المجلة حيث كانت؛ قبضت على خصرها بكلتا يديها، رفعت رأسها بخيلاء، هزت نصفها الأعلى فارتجا نهديها؛ قالت:
- ممثلة إغراء.
ثم ضحكت ودلفت صوب المرآة تصفف خصلاتها، قطبت حنان حاجبيها، قالت:
- هذا ما ينقصنا بالفعل!.
- ليس ذنبي أني ولدتُ جميلة، ولابد لي من استغلال جمالي!.
- لقد أخبرتني والدتنا بتغير مزاجكِ بالأيام الأخيرة!.
قطبت جميلة، أدارت كرسي التسريحة، جلست في وجهتها، وراحت تتأمل فخذيها تحت الدانتيلا، قالت:
- وهل أخبرتكِ أني فقدتُ عقلي وأصبحتُ مجذوبة؟ أم لم تخبرك بعد ؟ - ثم نظرت إليها - ولِم لا تعجلون بإرسالي إلى سراي المجاذيب؟.
- حبيبتي؛ مازلتِ تلميذة؛ والأجدر بكِ الانشغال بحصولكِ على شهادة تنفعكِ فيما بعد؟.
- من فضلكِ يا حنان؛ لاتتحدثِ معي في تلك الترهات مرة ثانية؟.
- حسناً... لن أتحدث معك ثانية - ثم وقفت ودلفت صوب الباب - أستأذنكِ؛ سأعود إلى داري لقد تأخر الليل؟.
خرجت حنان وأغلقت الباب خلفها؛ نهضت جميلة؛ أحست بالرغبة في النوم، تناولت هاتفها من فوق السرير؛ قامت بتشغيل موسيقى هادئة، ثم وضعته على الترابيزة عن يمين السرير، وأطفأت أنوار الغرفة، وأشعلت الأباجورة على يسارها ثم ألقتْ بجسدها على السرير، زفرت بضيق، وبعد لحظات؛ أطبق جفنيها الكحيلين، وسرعان ما تاهت في غياهب النوم..
فجأة؛ وجدت أمامها شاباً أمرداً، طويل القامة، قوي البنية، ذا شعر طويل سبط يغطي أكتافه، يرتدي رداءً حريرياً أبيضاً طويلاً، اقترب منها، جلس بجوارها على السرير؛ مسك يدها، وباليد الأخرى؛ راح يداعب خصلات شعرها قائلاً:
- حبيبتي، لم أجد بين نساء الانس والجن من بجمالكِ؟.
ابتسمَتْ، قال:
- أعشقكِ يا ملكة الجميلات؟.
تنهدت بسعادة، انتصب بجوار السرير، خلع رداءه؛ أصبح عارياً، تأملته بشبق، اقترب منها، وثب فوق السرير بجوارها، مد يده وراح يتحسس جسدها؛ أغمضت عينيها؛ شعرت بثقله فوق جسمها، وسرعان ماعلت تأوهاتها، فتحت عينيها، وجدته يرهز بين فخذيها؛ أغمضت عيناها من اللذة والألم، وأحست برعشة النشوة تسري بأوصالها..
في صباح اليوم التالي؛ استيقظت جميلة، شعرت بخدر في جسمها، وبلزوجة بين فخذيها؛ تذكرت الحلم؛ ابتسمت ..
تكرر الحلم معها لمدة أسبوع، كانت تنام مبكراً لتحلم به، وتعيش اللذة، وبعد انتهاء الإسبوع؛ لم تحلم به ثانية، وبدأت حالتها النفسية تسوء، وشحب وجهها..
ذات ليلة، انتصبت أمام المرآة بقميصها الأحمر؛ تزينت كالعادة، أطفأت المصابيح؛ أنارت الأباجورة؛ شغلت الموسيقى؛ ألقت بجسدها على السرير؛ تمنت أن تحلم به ثانية، افتقدت الوسيم كثيراً، وكان أسبوع أحلامه أسعد أسبوع في حياتها..
فجأة؛ سمعت صفير بإذنها؛ انتفضت جالسة، أرهفت السمع؛ صدح صوت بإذنها؛ شعرت بأنه قادم من أعماق الأرض، قال:
- أنا حبيبكِ الأمرد؛ إن أردتِ لقائي ثانية فعليكِ بترتيل هذه الكلمات بصوت مسموع؟.
شعرتْ لوهلة بأن حياتها متوقفة عليه، شرعت في ترتيل النداء الذي أملي عليها، قالت:
- "احضر الآن، يا أمرد الثقلان، يا ملوِّع نساء الإنس ومعذِب نساء الجان، إن جسدي لك سكن، وقلبي بعشقك ملآن"؟.
وما إن انتهت حتى تقطع نور الأباجورة حيناً ثم انطفأت، وظهر أمامها الشاب الأمرد؛ بردائه الأبيض مبتسماً، وتحيطه هالة من نور؛ هبت واقفة؛ دلفت صوبه، ارتمت بأحضانه وتعالى نحيبها، وتواترت دقات قلبها..
همس الأمرد بإذنها:
- من اليوم؛ أنت ملكي وأنا ملككِ، ولن يفرقنا أنس ولا جان.
حملها فوق ذراعيه؛ ألقاها فوق السرير؛ ضحكت بغنج، أنارت الأبجورة، نامت، أشارت إليه بكلتا يديها أن يقترب، قالت بصوت متهدج:
- اشتعلتْ النار بقلبي وجسمي مذ رحلت، ولا غيرك يطفئ ناري..تعال؟.
خلع رداؤه، دلف صوبها يبتسم، وبعد لحظات؛ علت تأوهاتها فصارت مسموعة..
استيقظتْ الأم، أضاءت المصباح؛ نزلت من فوق سريرها؛ بدت امرأة بالعقد الخامس من العمر؛ هزيلة الجسم، ربعة القامة، يرعى الشيب في رأسها بغزارة؛ ترتدي عباءة نوم بيضاء طويلة؛ سمعت تأوهات جميلة؛ ظنت أنها تحلم؛ قالت:
- أعوذ بالله؟ البنت تتألم بصوت عالِ... اللهم اجعله خير؟.
دلفت إلى الصالة، أنارتها، تقدمت صوب غرفة جميلة؛ طرقت الباب؛ نادت:
- جميلة؟ ماذا يحدث عندكِ يا بنتي؟ أنائمة أنتِ أم ماذا؟.
لم تجد رد، حاولت فتح الباب؛ كان موصداً، هرولت إلى غرفتها لتحضر نسخة من مفتاح الباب..
أفاقت جميلة، وجدت الوسيم يترك السرير ويتحرك صوب المرآة رافلاً في ردائه الحريري الأبيض، نادته بصوت متهدج:
- إلى أين أنت ذاهب؟. استدار، قال:
- سأزوركِ كل ليلة!.
- لا لن أنتظر... خذني معك؟.
ضحك، واقترب منها.
أحضرَتْ الأم المفتاح، اقتربت من الباب، همَّت بإيلاج المفتاح إلى مخدعه، سمعتْ صرخة ابنتها وتهزم زجاج؛ ارتجفت.
فَتَحتْ الباب على عجل، دخلت، أضاءت الغرفة؛ وجدت المرآة قد انفجرت وتناثر فتاتها أرضاً، ولم تجد ابنتها!.
هرعتْ تفتح ضلفات الدولاب؛ لم تجدها، بحثت تحت السرير؛ لم تجدها، صرختْ وسقطتْ أرضاً مغشى عليها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق