ذئاب تداعب البشر | قصة قصيرة لرمضان سلمي - مدونة رمضان سلمي برقي

اخر الأخبار

مساحة اعلانية

اعلان 728X90

الخميس، 19 نوفمبر 2015

ذئاب تداعب البشر | قصة قصيرة لرمضان سلمي


 الساعة التاسعة صباحاً؛ كان واقفاً أمام عربة الفول، ماداً يده ببعض الجنيهات إلى البائع، دق هاتفه المحمول بجيب سرواله القماشي، أعاد الجنيهات إلى جيبه؛ أخرج الهاتف، أجاب المتصل:
- مرحباً، من معي ؟.
رد المتصل :
- ليس هذا وقته يا أخي ، ابنك الكبير عقره ذئب ونقل إلى المستشفى...
قاطعه الأب:
-  ذئب ! كيف وصل إليه الذئب ؟ أنت تمزح بالطبع! ابني عضه ذئب ، لا لا أصدق ، من أنت يا أخي بالله عليك ؟ لا توجع قلبي بالصباح الجديد أرجوك ؟.
- أنا فاعل خير وقد حملنا ابنك إلى المستشفى ، فلتتحدث إلى زوجتك لتتأكد من صدق النبأ ؟.
قالت الأم بصوت متهدج من النحيب:
- للأسف هذا ما حدث منذ نصف الساعة ، ونحن الآن بالمستشفي .!
- هذه أنتِ إذاً؟ كيف حدث هذا ؟ ابننا حبيبنا مصاب ، أين كنتِ وقتها ؟ أنا قادم حالاً - ثم هرول صوب الطريق الرئيسي - كيف حاله الآن ؟ وكيف عقره هذا الذئب وأين التقى به ؟.
أشار لسيارة أجرة لتذهب به إلى ميدان رمسيس ليغادر إلى بلدته ومازال ممسكاً بهاتفه وقد بدا أنه بالعقد الرابع من عمره، ذا قامة طويلة، وبنية هزيلة. وبعدما ركب السيارة، قالت الزوجة:
- القصة طويلة سنقصها عليك لمَّا تأتِ بخير ، وأهم شيء والحمد لله أن أولاد الحلال؛ قاموا بنقله سريعاً إلى المستشفى وحقن بالمصل قبل أن يتسمم جسده ونفقده لاقدر الله .
- الحمد لله والشكر لله ، الله أعلم بحالنا وبحاجتنا وحبنا إليه .
- الحمد لله؛ قدَّر ولطف... ابنك ولد طيب مثلك، والله يحبه وقد كتب له عمر جديد .
- الحمد لله .
- هل ستترك العمل وتأتِ إلينا ؟.
- لم أذهب إلى العمل اليوم؛ فقد تضاءلت فرص العمل!.
- إن شاء الله فرجه قريب .
- إن شاء الله ...صدقيني ما عدتُ أكترث لشيء الآن إلا الاطمئنان على فلذة قلبي - ثم وصلت السيارة إلى ميدان رمسيس - حبيبتي، إلى اللقاء الآن ، وسأعاود الاتصال بكِ والاطمئنان عليكم لاحقاً لأني قد وافيت ساحة السيارات؟.
نزل الأب من السيارة، نقد السائق؛ دخل منطقة رمسيس؛ بدأ البحث عن السيارة الأجرة التي ستنقله إلى بلدته جنوب مصر، ومن حسن حظه وجدها وينقصها راكب واحد فقط؛ ركب واكتملت ، وقرأوا الفاتحة جميعاً، ثم بدأت بشق الريح إلى الجنوب..
صدحت أنشودات ”ياسين التهامي“ لتطرب الركاب من سماعات الميكروباص، وتناثرت أدخنة السجائر، وبدأ التعارف مابين الركاب.
شرد الأب بذهنه بعيداً، راح يؤنب نفسه بين جنباته: «يارب؛ إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه؟ الحمد لله أنه على قيد الحياة، ولكنه خطأي من البداية ، نعم خطأي ، لأني تركتُ القاهرة وانتقلت بعائلتي إلى تلك المدينة الصغيرة التي تجاور الجبال  الشاهقة بالجنوب البعيد... بالطبع من الصعب على عائلتي التأقلم بسهولة على تلك الحياة الجنوبية القاسية؛ خمسة عشر عاماً مذ تزوجت ونحن نعيش بالقاهرة، وفجأة ننتقل إلى الجنوب ونستأجر شقة بمبلغ زهيد بالقرب من عائلة أبي... يا الله ! وبعدما كنت أستيقظ مبكراً على أصوات مشاجراتهم معاً والتي بت أفتقدها الآن؛ أصبحتُ لا أعرف للنوم طريقاً، وفراقهم لي أنبت بجسدي آلاما وزادني شوقاً لهم... ولكن لم يكن أمامي خياراً سوى ماحدث؛ فرص العمل تضاءلت، وقل دخلي معها؛ بعدما كنتُ موظفاً وطُردتُ من وظيفتي؛ أصبحتُ عاملاً لا أكثر، وازدادت احتياجاتنا، وتضخمت مصاريف البيت والأولاد؛ الدروس الخصوصية التهمت نصف الدخل، والإيجار الآخر ، وارتفاع فواتير الكهرباء والمياه والغاز ...
لم يقوَ جيبي على المواجهة أكثر من ذلك، وعندما تحدثتُ إلى أحد الأصدقاء بالجنوب اكتشفتُ أن الحياة هناك بسيطة وغير مكلفة بالمقارنة بالقاهرة؛ لا توجد عندهم دروس خصوصية؛ المدرسون هناك مازالوا يشرحون الدروس بالمدرسة؛ فكانت الفكرة الصائبة وعرضتُ الأمر على زوجتي وأولادي وقد رحبوا بالفكرة ، فجميعنا في مركب واحدة، وزوجتي أيضاً لها أقاربها بالجنوب، وبعد انتقالنا إلى الجنوب أصبح لدينا ما نوفره من أموال زيادة عن حاجياتنا الأساسية والحمد لله... ولكن أنا من ابتليتُ بالوحدة؛ أصبحتُ لا آراهم ولا آنس بهم إلا خمسة أيام في مطلع كل شهر ، والحمد لله على كل حال!.
أفاق الأب من شروده؛ عاد إلى جسده، نظر من خلف زجاج النافذة بعينان بائستان؛ وجدها صحراءً قاحلةً تمتد على جانبي الطريق، ثم التفت إلى ساعته، قال:
- لماذا توقفت العقارب ؟.
فجأة؛ سمع صوتاً بجانبه يقول:
-  تبقت ساعة واحدة ونصل إن شاء الله .
رفع الأب بصره إلى مصدر الصوت بجواره، قال:
- أشكرك أخي.
وصل الأب إلى المدينة؛ وجد الهرج والمرج يسود شوارعها، وقوات الشرطة مدججةً بالسلاح ومنتشرةً في كل مكان؛ زاد قلقه وخوفه وبدأ يركض باتجاه بيته، وكان الجيران يستوقفونه ليسلمون عليه فيأبى التوقف حتى وصل البيت؛ سلم على أهله واطمأن على ابنه، وجلسوا جميعاً على الحصيرة في باحة البيت، قال الأب :
-  الإصابة في كتفك يابني ، كيف حدث هذا ؟.
ضحكت الأم المتشحة بالسواد، ذات الوجه الشاحب، ثم قالت:
-  ابنك حاول إنقاذ سيدة من الذئب فانقض الذئب عليه وعقره في كتفه !.
قال الأب :
- تريثي أنتِ ؟ لتسرد لنا ماحدث لك يابني ؟ فأنت بالطبع أدرى من أمك ، تحدث يابطل الجنوب ؟.
كان الابن في الرابعة عشر من عمره، يرتدي سروالاً من القماش وفوقه صدار، وكان جالساً على الدكة؛ وكتفه الأيمن ملفوف بشاش أبيض، ومعلقةً ذراعه بحمالة في رقبته، قال:
- لقد خرجتُ مبكراً لأحضر دواءً لأخي الصغير من الصيدلية التي بنهاية شارعنا، دخلتها فوجدتُ سيدة تشترِ بعض الأدوية، فانتظرتُ حتى تنتهي ويحن دوري ، فلا يوجد بالصيدلية إلا طبيب صيدلي واحد فقط، أخذتْ السيدة أدويتها وهمَّت بالخروج ، ولكن فجأة؛ دخل الصيدلية - بسرعة البرق - حيواناً أسوداً يشبه الكلب له أنياب طويلة ، وهيئته مخيفة ، وانقض على ساق السيدة ، والتقم قصبة إحدي ساقيها وغرز نابيه ، وبدأ بسحب السيدة إلى الخارج ، فبدأت تعلوا صرخاتها ، وتشبثت بالطاولة أمامها، وعندها إصيب الطبيب الصيدلي بالذهول وجحظت عيناه ، ووقف محله يشاهد في صمت! لم يعجبني ما يحدث فسارعتُ بركل هذا الحيوان الشرس بقدمي وبكل قوتي حتى يبتعد عن السيدة ، وبالفعل انفك عن السيدة وارتمى بعيداً من شدة الضربة؛ اعتقدتُ أنه بهذا قد حُسمت المواجهة وسيهرب بعيداً، لكن فجأة؛ استعاد قواه ، وقفز تجاهي بكل مرونة وشراسة؛ عقرني في كتفي ، ثم لاذ بالفرار... تجمع الناس بالخارج عندما سمعوا صراخ السيدة ، فخرج أمامهم، فحاول الناس قتله ولكن لم يفلحوا ، فكلما اقترب منه أحد قفز عليه وعقره ثم لاذ بالفرار؛ وعمَّت الفوضى بالمدينة ، حتى اجتمع الكثير من الناس بعصيهم وفؤوسهم وقاموا بقتله بصعوبة بعد نصب الأكمنة، وقال الطبيب البيطري : «أنه حيوان مُهجن من قطبين الأول ذئب والثاني كلب ويسمى " الكلب المستذأب " أو " الكلب الذئب" وينتج من تزاوج الكلب والذئاب، وهو شرس للغاية، ويملك صفات الذئاب أو الكلاب أو يجمع بينهما، وذلك النوع تكون إما بالإرادة الإلهية وحدها أو كان ليد الإنسان سبب فى وجودها» وأضاف الطبيب : «ما بدر منه كانت مداعبة فقط، ومن حسن الحظ أنه لم يقتل أحدهم» هذا كل مافي الأمر ..
مبتسماً قال الأب:
- الحمد لله .
سألته الأم مقطبة:
-  لماذا أنقذتَ السيدة وآذيت نفسك ؟.
- يا أمي ماذا لو كنتِ أنتِ مكان تلك السيدة وهجم عليكِ الذئب ! ألاتجدين من يخلصكِ ؟.
قال الأب بفخر :
- أحسنت صنعاً يا ولدي ، بارك الله فيك "طالع لأبوك".
وضحكوا جميعاً وتعالت ضحكاتهم، قالت الأم وقد هشت تقاسيمها:
- بارك الله فيك حبيبي ، أنا لا أقصد ولكن قلبي موجوع عليك وعلى ألمك .
فجأة؛ سمع أزيز الرصاص، وسُمِعَتْ جلبة وضجيج بالخارج، أسرع الأب وفتح الباب ليعرف ماذا يحدث بالخارج؛ فنهره أحد أفراد الشرطة الواقف بالشارع لحمايته، قال:
-  إغلق هذا الباب ؟.
- لماذا ؟.
- الذئب قبل أن يمُت عقر كلاباً كثيرة بالمدينة، والكلاب سُعرَت وانقلبت على أهل المدينة بالشوارع وأصبحتْ تعقر كل من تجده أمامها!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق