مذكرات فتاة مؤدبة | قصة قصيرة لرمضان سلمي - مدونة رمضان سلمي برقي

اخر الأخبار

مساحة اعلانية

مرحبا بكم

الأحد، 24 يناير 2016

مذكرات فتاة مؤدبة | قصة قصيرة لرمضان سلمي



 أنا لستُ فتاة جميلة ولا أملكُ عينين ذباحتين، ولا رمشين جارحين ، كما يردد عن الفتيات بالأغاني، وما حبيتُ الجمال والجاذبية؛ بل أحمدُ الله على ما ولدتُ فوجدتُ حالي عليه؛ يراني البعض؛ دميمة، والبعض الآخر يراني عادية، وحتى الآن لم أصادف من يراني جميلة!.
أعترفُ أني حرمتُ من الجمال الصارخ، ولكني وهبتُ جمالاًً آخر؛ متدينة، خلوق، طيبة... لكني لستُ بملاك لا يخطئ بالطبع. ناجحة في عملي، وأبتسم دائماً في وجه الجميع؛ إلا الشباب! فإن حدث فستؤخذ عني فكرة سيئة، وهذا ماتربينا عليه بمجتمعاتنا الشرقية.
لا أقيم علاقات مع الشباب حتى بالهاتف، ولكن أتحدثُ أحياناً مع بعض زملاء العمل من الشباب، وغالباً لا تزيد مكالماتهم عن خمسة دقائق، وجميعهم يحتسبونني عند الله أختاً صغيرةً أو كبيرة لهم لا أكثر،  وهذا احساس يسعدني أحياناً ويوجعني أحياناً أخرى، فأنا فتاة مثل باقي الفتيات؛ أشتهي سماع كلمة غزل في حقي وأنتشي عند سماعها، وإن كان وجهي لحظتها سينطق الامتعاض والضجر زوراً..
لمّا أمشي بالشارع لا أحد ينظر إليَّ بشغف كنظراتهم لباقي صديقاتي وزميلاتي اللائي يتمتعن بالجمال والرشاقة والتأنق. لا يغازلني أحدهم ولو بكلمة حلوة، ولكن هذا متوقع ، فلا يوجد في خلقتي أي جميل يمتدح ، ولا في جسدي أي بارز يفتضح؛ فقد تعودتُ ارتداء ملابس فضفاضة لتسترني من عيون الناظرين... إن نظروا..
ذات مرة كنت عائدة من عملي؛ مارة بإحدى الطرقات القريبة من منطقتي السكنية، وفجأة ومن خلفي وقعتْ على آذاني طنطنة غزل أطربتني، بدا عليه غزل من خارج كوكب الأرض، وتشبيهات بأجسام صخرية وأخرى ملتهبة كالشمس والقمر والنجوم وغيرها، وهذا هو العادي عند الشباب في بلادنا، فظننتُ سريعاً أنها موجهة لفتاة غيري مارة بنفس الطريق، لذا لم أكترث. ولكن تزايدت من خلفي الطنطنة واقتربت، حاولتُ الانحراف إلى إحدى الطرق الجانبية؛ الحقيقة ليس هرباً من المُغازل؛ لكن حتى يتسنى لي التأكد إن كانت تلك الطنطنة في حقي أم في حق غيري. .
أنا لا أستطيع النظر خلفي؛ الفتيات المؤدبات لا ينظرن خلفهن أبداً إلا في حالة إن كانت هناك سيارة ستدهسهن، لحظتها يمكنها النظر خلفها، وحتماً ستكن النظرة الأخيرة. سلكتُ الطريق الجانبي، انقطعَتْ وصلة الغزل؛ حمدتُ الله وعادت لي ثقتي في نفسي بأني لن أغازل أبداً، لكن فجأة؛ عادت الطنطنة تسري إلى آذاني مرة أخرى؛ الحقيقة صُدِمتُ وأصابني الانبلاج والانشراح؛ أخيراً سأدخل التاريخ من أوسع أبوابه وسيعترف بي كجميلة تغازل بالطريق العام ، ولكني لن ألتفتُ خلفي، فهذا ضد مبدأي، لن ألتفت أبداً، ولكن الشيطان بدأ يتلاعب بمخيلتي ويوسوس لي؛ همس الشيطان بأذني، قال:
- انظري يا بنت وراكِ؟ ده قاصدك إنتِ صدقيني وشكله شاب وسيم، يالهوي... اُنظري يابنت ياهبلة واضحكيله بسرعة؟.
استفزتني وسوساته، قلت:
-  ياعم مش هانظر أنا، إتكل ع الله واِبعد عني واتركني في حالي، الله يخليك؟ مش بتاعة كدة أنا يا عم الشيطان!.
- إنتِ هتحوري إنتِ مش لسة قايلة إنكِ دخلتِ التاريخ؟.
- نهارك إسود، إنت سمعتني! دة إنت لزقة بقه! أرجوك ياعم الشيطان متدخلش جوة دماغي تاني... أرجوك ؟.
- تصدقي إني غلطان! أنا كنت عايز مصلحتك بدال ماتعنسي وتعيشي طول عمرك لوحدك من غير سند!.
- طب تصدق إني اتأثرت بجد والدمعة هتفر من عيني، ياعم؛ أرجوك إتكل على الله وروح وسوس لواحدة حلوة وفكك مني بقة ؟.
- الحلوين مش محتاجين يابنتي وسوسة، الواحدة منهم مظبطة ييجي مع دستة شبان، انما إنتِ حالك لا يسر عدو ولا حبيب! وقلقان على مستقبلك، ده حتى عمرك ما اتبستي ولا اتحضنتي! ودي مش عيشة الحقيقة يابنتي ، بجد حرام عليكِ نفسك!.
- إيه ياعم الشيطان طقم الحنية ده؛ تكونشي قرين أبويا وأنا معرفش ؟ وإيه لاعمري اتبست واتحضنت دي ؟ هو البوس عندكوا ليسانس حقوق ؟ طب ماكنت تجيبلي عريس بدال مانت نازل تقطيم فيَّ من الصوبح ؟.
- إنتِ بتقولي فيها أنا وسوست لكل شبان منطقتك، وفضلت أحلِّي صورتك في عنيهم؛ للأسف نصفهم عزِل وترك المنطقة، والنصف التاني بيشاور عقله!.
 - ماشي ياعم الشيطان، معجبة بخفة دمك؛ لكن النظر حرام؛ اتركني بقه ؟.
- الأولى لك !؟
- إنت كمان حافظ أحاديث !.
- طب عندي حل؛ انظري مرة واحدة وطوِّلي فيها؛ ربع ساعة مثلاً؟ إيه رأيك كده حلال صح؟.
- ماتروح تتوضى وتصليلك ركعتين أحسن من نصايحك الخيبانة دي ؟ واتركني في حالي بدال ما أستعيذ منك؟.
- يابنتي لا تستعيذي ولا تتعبي نفسك ده أنا بضرب نفسي ميت صرمة قديمة إني وسوستلك أصلاً! وأنا ماشي خلاص وماتُنظريش وراكِ لأن الشاب خلع خلاص،  وجاتك وكسة فوق وكستك! ومن غير سلام!.
وقتئذ؛ سارعتُ بالنظر  إلى الخلف فإذا بالشاب مازال يتابعني؛ لقد خدعني الشيطان الماكر، ودوت في رأسي ضحكاته فرحاً بالانتصار. وقف الشاب غير بعيد يتفحصني منبهراً ولم أرَ سبباً لانبهاره، فتأملته، فبدا طويل القامة، رشيق الجسم، مليح التقاسيم، مهندم اللباس..
 بدا لي لحظتها أنه معجب بي؛ لا أعرف كنهه ذاك الإعجاب! المهم أني  أخذتُ حزام الطريق حتى البيت، ونظرتُ من الشرفة فوجدته قد أتى خلفي وانتظر قليلاً ثم رحل، وبعدها مرتْ الأيام على نفس المنوال..
 أنا أعمل مذ تخرجي؛ وقد قاربتُ على الانتهاء من تجهيز نفسي للزواج، تنقصني حاجات قليلة؛ لكن ليست تلك هي العقبة؛ بل العريس هو العقبة الأكبر في حياتي..
وكان يحدث أنه كل من أتى لخطبتي ورآني قد ذهب ولم يعد، على الرغم من أني لست بذلك القبح الذي يظنونه بي، فجميعهم ينظر إلى السطحيات، ولا أحد منهم ينظر لمرة واحدة بداخل أعماقي! ولكم تمنيتُ مغادرة جسدي بلا عودة؛ لأن الناس صاروا يحكمون على الأشخاص من أشكالهم فحسب، لا أحد ينظر إلى الجوهر أبداً، ولكن كيف ينظرون إلى الجوهر؟.
- صحيح؛ إزاي؟ هو أنا بقول أي كلام وخلاص ولا إيه؟.
المهم؛ أني لن أشكرُ في نفسي كثيراً؛ أنا إنسانة رقيقة جداً، وكنت أريد الزواج والاستقرار؛ وقد بدأ السن يتقدم بي..
منذ أيام؛ إحدى زميلاتي أخبرتني أنها أحضرت لي عريساً، وهذا العريس هو العاشر، وما كنتُ أدري هل سيكن من نصيبي؟ أم سيزيد قائمة الهاربين عدداً..
إتفقنا وحددنا موعداً، وأتى اليوم؛ كانت عائلتي سعيدة، وأنا كنت حزينة!.
حضر العريس وعائلته، وفوجئتُ بأن العريس هو ذلك الشاب الذي غازلني واتبعني من قبل! ووافق الجميع ، وقرأنا الفاتحة وأخيراً تمتْ خطبتي بحمد الله..
بالأمس؛ كنتُ أتحدث مع خطيبي، سألته :
-  شوكت هو إيه اللي شدَّك لي وخلاك تخطبني ؟.
 - صاحبتك كلمتني عنك كثير، انا كان نفسي من زمان؛ أرتبط بواحدة زيك، وفسخت اكتر من مرة ، وأول ماشوفتك حسيت أن أعرفك من زمان، وارتحتلك، وسمعت صوت من جوايا بيقولي: هي دي ياشوكت اللي بتدور عليها ، متسيبهاش يا شوكت تضيع من إيديك لأنها أحسن بنت تناسبك وفيها كل اللي بتتمناه..
سعدتُ بإجابته كثيراً، وتذكرتِ لوهلة ذاك الشيطان الماكر الذي كان يريد مساعدتي بأي طريقة، وأظنه قد ساعد!.

هناك تعليقان (2):

  1. جميلة وبعض الفقرات فيها مضحكة كثيرا
    ليت شوشو كان كما صورته انت بقصتك

    ردحذف