***
في ليلة من ليالي الشتاء المنقضي؛ كانت الأم ذات الأربعين عاماً، في ثيابها المنزلية؛ تنظف الأواني بالمطبخ، وفجأة؛ انقطعت الكهرباء عن كامل المنزل؛ زفرت:
- هل هذا وقته؟.
ثم أغلقتْ صنبور المياه، وبدأت تتحسس أدراج المطبخ الواحد تلو الآخر لتبحث عن شمعة لتضئ طريقها حتى لاتصطدم بشيء وكى تذهب إلى غرفة الأطفال لتطمئن عليهم؛ فلم تجد ثمة شمع!.
بدأت القشعريرة تنتابها من الظلام الحالك داخل الشقة؛ توقفت مكانها لاتدري ماذا تفعل، وفجأة؛ أحست بأنها ليست لوحدها بالمطبخ ووقع على سمعها صوت أنفاس شخص ما بجوارها وسمعت وقع أقدامه، فزاد إحساسها بالخوف والهلع؛ لكن لم ترَ شيئاً في الظلام الدامس؛ سمعتْ صوت أحد الأدراج يفتح بهدوء ثم عُبِثَ بداخله ثم أُغلِق مرة أخرى؛ تصبب العرق من جبينها، اذدردت ريقها، حاولت أن تنطق أو تتحدث أو تنادي على أبنائها ولكن انعقد لسانها.
بعد لحظات؛ عاد التيار الكهربائي ببطء؛ أفاقت الأم وتنفست بأريحية؛ نظرت فوجدت شمعة قد وضِعَتْ فوق الأدراج. إحتارت مماحدث؛ ظنت أنه لربما أحد أطفالها وكان يداعبها؛ أسرعت إلى غرفتهم فوجدتهم نائمين، ازداد خوفها وعادت إلى المطبخ مسرعة فوجدت باقي الأواني قد تم تنظيفها! اضطربت وبدأت تقرأ الأدعية حتى تهدأ أعصابها، ثم تناولت الشمعة وأحضرت الكبريت ثم وضعتهم في مكان معلوم تحسباً لانقطاع التيار الكهربائي مرة أخرى..
وفجأه؛ انقطع التيار مرة أخرى، فزعت الأم، مسكت بالكبريت وهمَّت لتُشعِل الشمعة فسمعتْ صراخ صغيرها ذو العامين فانتابها قلق على الطفل وخشيت من أن يصيبه مكروه، اشعلت الأم الشمعة وهى تغمغم بالأدعية خوفاً على طفلها.
دلفت إلى الطرقة الطويلة قاصدة غرفة نومها حيث الطفل، وبيدها الشمعة بلسان ضوء واهن. وما كادت أن تصل إلى باب الغرفة حتى توقف الطفل عن الصراخ، وصدح غناء امرأة من داخل غرفة نومها؛ انقبض قلب الأم وتزايدت خفقاته، تمتمت:
- من أين يأتي هذا الصوت؟.
توقفتْ أمام الغرفة؛ نظرت من ثقب صغير بالباب، وجدت امرأة تشبهها تماماً وبنفس ملابسها وبيدها شمعة، تجلس على كرسي خشبي بجانب سرير الطفل تغني له حتى يهدأ وينام.
فجأة؛ وكأن الشبيهة تعرف أن الأم تراقبها من ثقب الباب؛ حدجتها بنظرات مخيفة؛ سقطت الأم على إثرها أرضاً ترتجف، وتهذي، وانطفأت الشمعة.
بعد لحظات؛ انقطعت وصلة الغناء، عادت الكهرباء؛ أفاقت الأم تلقائياً، أصرت أن تنهض وتحارب تلك الدخيلة حتى لو كانت جنية؛ لتحافظ على أبنائها من الخطر.
وقفت، فتحت الباب فلم تجد أحداً سوى الطفل نائماً في سلام؛ حمدتْ الله، وقامت بتغطيته جيداً وقبلته، ونامت بجواره جالسة دون أن تشعر حتى الصباح..
بالصباح؛ ذهبا ولداها الكبيران إلى المدرسة؛ اتصلت بإحدى الصديقات وحكت لها ماحدث، قالت لها الصديقة :
- سأبحث لكِ عن راق ليرق لكِ الشقة ونعرف سبب ماحدث!..
جلست الأم تلاعب الطفل الصغير وتقوم بتنظيف البيت وتجهيز الطعام. عادا ابنيها من المدرسة؛ جلسوا جميعاً حول الطبلية، قال الولد الأكبر:
- يا أمي ما هو الديك الرومي ؟.
ردت الأم ضاحكة :
- الديك الرومي دجاجة ولكن كبيرة جداً وشكلها مختلف .
سألها الابن الثاني :
- هل يأكلها الناس يا أمي ؟.
أجابت الأم :
- بالطبع ياحبيب أمك!.
فقالوا لها :
- نريد أن نأكله يا أمي ؟.
أجابت الأم على مضض:
- أنا أيضاً أشتهيه ولكننا إذا ما اشتريناه سننفق كثيراً من مصاريف الشهر التى نحتاجها لذا - إن شاء الله - عندما يرسل لنا أبيكم المال من الخارج سأشتريه لنا وأطبخه.
غضب الأولاد ولكنهم بالنهاية رضوا بجواب إمهم، ومرت الليلة بسلام..
أشرقت شمس اليوم التالي؛ دخلت الأم المطبخ لتجهز الإفطار لأبنائها ولكنها تفاجأت بشيء كبير مغطى بالمطبخ؛ اقتربت منه بحذر وكشفت الغطاء فإذا به ديك رومي مطبوخ ومعد للتناول.
وقفت الأم لدقائق تفكر فيما يحدث، حتي وصل بها التفكير إلا أن مايحدث كله خير؛ غسيل الأواني، الطعام الذي تمنوه، تهدئة الطفل، تمتمت:
- ربما كان خيراً أرسله الله لتحقيق أمنياتنا! والحمد لله على كل حال، ولن أكشف السر لأحد أبداً.
جهزت الطبلية؛ وأكلوا جميعاً، ورُسِمَتْ البسمة على وجوه الصغار، سألها ابنها الكبير:
- لماذا غيرتِ رأيك يا أمي واشتريته لنا؟.
ابتسمتْ قائلة:
- إنها إحدى الجارات من أحضرته لنا بسعر رخيص بعدما طلبته منها لأجلكم.
فرحوا جميعاً وراحوا يلتهمونه بنهم..
مع مرور الأيام؛ تكرر تحقيق أمنياتهم كثيراً، وذات يوم؛ كان هناك كرسي خشبي صغير قديم؛ موجود بالصالة، وقد وضٓع فوقه كتاب مدرسي لأحد أبنائها؛ وقد وجدت الأم ذلك الكتاب قد قُدَّت صفحاته وتبعثرت أرضاً؛ خافت الأم مماحدث، وكان كل من اقترب من هذا الكرسي شعر بالخوف والرهبة.
عاودت الأم الاتصال بصديقتها، قالت:
- لابد أن تجدي لي راقياً، فالوضع قد زاد عن حده!.
- خير؟.
- خير... ستعرفين كل شيء لمَّا تحضريه لي.
باليوم التالي؛ حضر الراقي وبدأ الغمغمة بقراءة تلاوات غير مفهومة، ثم جلس بالصالة على الكنبة، وجلست صديقتها غير بعيد، وجلست بجواره الأم، ومن ثم قام بتحضير الجنية الساكنة بالشقة على جسد الأم، فجحظت عيناها، وشعرت بسخونة جسمها. قال الراق للأم:
- سأخاطب الجنية على لسانكِ، لذا ركزي فيما سيقال، وحاولي ألا تتدخلي بالحديث إلا عندما أطلب منك التدخل؟.
وافقت، سأل الجنية:
- لماذا فعلتِ كل ذلك ؟.
وجدت الأم لسانها ينطق كلاماً لا تعلم عنه شيء، كان كلام الجنية، قالت:
- أنا لا أُنجِب الأطفال واعتبرتهم أبناءً لي وأحببتهم!.
- لماذا غضبتِ عليهم إذا بالنهاية ؟.
صرخت:
- هذا الكرسي مخصص لي ، ولاأريد من أحد أن يجلس عليه سواي أو حتى يقترب منه؟.
خافت الأم من ذلك الحديث والتهديد والوعيد؛ شعرت بالخطر على أبنائها، فقام الراق بسؤال الأم، قال:
- هل ترضين بوجود الجنية معكِ بالبيت وتوافقي على شرطها؟ أم تترك الشقة بسلام وينتهي تحقيق الأمنيات؟.
فكرت لحظات، قالت:
- ترحل؟ لا أريدها!.
قرأ عليها الراق؛ أبعدها وتركتهم في سلام، وناموا الليلة هانئين هادئين..
وبالصباح؛ استيقظتْ الأم مبكراً وعندما دخلت الصالة؛ اكتشفتْ أن الكرسي قد اختفى !.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق