وسط ظلام ناعم؛ جلستُ فوق جدار بيت بلاسقف بعد أن تسلقته من الداخل، نظرتُ أمامي، وجدتني على جانب طريق طويل يقطعه رأسياً - غير بعيد - طريق آخر، وكان ظلامه خافت، وتتناثر على أسفلته بعض نقاط مضيئة بنور أصفر واهن، وتلوح البيوت على جانبيه كسحابات دخان سوداء كبيرة منبعجة لا تبين منها أية معالم..
وقفتُ فوجدتُ نفسي فوق هضبة عالية، تقع على ضفاف نفس الطريق، ويحيط بحافاتها نور واهن قادم من الأسفل، فكرتُ قليلاً، قلت:
- سأتقدم!.
بدأتُ السير فوق الهضبة إلى الأمام، فجأة؛ سمعتُ همهمةً من خلفي، استدرتُ؛ كان ظلاماً خافتٌ، لمحتُ شبحان يصعدان إلى الهضبة لاهثين، وكأنهما يهربان من خطر ما؛ دققتُ البصر، وجدتهما شاباً وفتاة، ركضتُ صوبهما، ودونما أي تفكير، حملتُ الشاب وقذفته من أعلى الهضبة، وكذلك الفتاة أسقطتها خلفه، والغريب أنهما لم يصرخا، ولم أتبينُ ملامحهما أبداً، بل كانا خفيفين جداً وكأنهما بالونات منتفخة..
ندمتُ على قتلي لهما، وفكرتُ في النزول من فوق الهضبة، فجأة؛ وجدتُ نفسي بالطريق وقد اجتزتُ التقاطع إياه، وأتقدمُ نحو حشد من أشباح بشر باهتو الألوان لا تبين لهم رؤوس كاملة، يهتفون بكلمات لا أسمعها، وقد استحال الجو نهاراً، وكان بجانبي شخص يرافقني لا أعرفه ولا أرى ملامحه، بدا لي كشخص من دخان أزرق لم تتشكل ملامحه بعد، ولكن كان لدي أحساس بأننا أصدقاء، اقتربتُ أكثر، وقفتُ مذهولاً أبحثُ بعيني عن شىء ما.
فجأة؛ ارتفع رأس رجل ذا عنق طويل من بين الحشود، كان رأساً رفيعاً أصلعاً، بوجه أصفر قاتم ملؤه التجاعيد، وأنف معقوفة، وعينان واسعتان، نظر إليَّ وابتسم؛ صرختُ إلى صديقي المجهول:
- إنه المسيح الدجال!.
- كيف عرفتْ أنه الدجال مع أنه ليس أعور؟.
- إنه هو صدقني، أنا أشعرُ بذلك!.
- وماذا سنفعل الآن؟.
قلت له بثقة:
- سنذهب معهم إلى السعودية، إنهم ذاهبون إليها، ومن ثم نتركه ونهرب لنتحصن بالمدينة أو مكة؛ فهما محرمتان عليه!.
تقدمنا في السير مع الحشد، وسبق الدجال الحشد، نظرتُ إليه، وجدته ينظر إليَّ بوجه ملؤه المكر، كان طويلاً، ربما تعدى الثلاثة أمتار، ساقيه كانتا في حجم عودين من القصب، مرتدياً سرولاً أسوداً ضيقاً، وصدره عريض، سألت صديقي:
- متى سيدعوا للدين الجديد ويقول أنه إله؟.
- ربما عندما يدخل السعودية!.
عندها شعرتُ بخوف، قلتُ لنفسي:
- فتنته لا أحد ينجوا منها إلا من رحم ربي، لابد أن أبتعد... لا سأرافقه وأواجه فتنته بتمسكي بإيماني... ولكني لوحدي ليس معي سوى صديقى الغازي الذى سيذوب بالهواء في أي لحظة ويتركني وحدي... إذا سأهرب!.
فجأة؛ وجدتني وصديقي المجهول وحدنا بنفس الموضع بالطريق، وقد استحال الجو ليلاً، قلتُ:
- سنذهبُ إلى مكة أو المدينة، فلن يدخلهما الدجال أبداً؟.
- حسنا، هيا من هذا الطريق حتى لا نقابله ثانية؟.
وأشار لنفس الطريق، الذي مرق منه الدجال، قلت:
- ولكن... كيف سنصل إلى السعودية؟ أنا لا أعرف الطريق إليها وربما نقابله بالطريق!.
وضاق صدري، وعدلتُ عن الذهاب، قلتُ:
- سأهرب منه إلى الجبال والمغارات والكهوف!.
وراحت تتحرك بمخيلتي صور أبواب المغارات الحديدية السوداء، وصراخ البشر بداخلها، وجنود المسيح بالمشاعل المتوهجة وسط الظلام ينقبون المغارات بالمعاول مزمجرين!.
تركني صديقي عند هذا الحد، ولا أعرف إن كان قد ذهب إلى السعودية أم هرب إلى أي مكان آخر، أم تبخر في الهواء، وركضتُ أنا بالطريق قاصداً الكهوف والمغارات، وبعد لحظات؛ ظهرتْ مرتفعات الجبال البيضاء أمامي وأنا بذات الطريق، فتساءلتُ: ما حجم قوة الدجال وعدد جنوده؟ وماذا لو وجدني؟ كيف أنجو من براثنه؟ هل سأستطع مقاومته أم سأهلك؟.
عندها أجبتُ على نفسي أطمئنها:
- ربما وقتها سيكن قد هبط المسيح بن مريم ويخلصني - بأمر الله - من فتنته!.
وفجأة؛ استيقظتُ فوق الفراش مُجهداً، فتحتُ نصف عيناي، وجدتُ نفسي نائماً أمام التلفاز أرضاً، تأملتُ الشاشة، صغتُ السمع؛ وجدتُ المذيعة بنشرة الأخبار تقول: ”سيصل غداً الرئيس الأمريكي في أول زيارة له إلى السعودية...“
أطفأتُ التلفاز، أغمضتُ عيناي، وشرعتُ في إكمال نومي..
ما إن سقطتُ في بركة النوم، حتى سمعتُ صوتاً مرعباً يصرخ بي حانقاً:
- هل كنت تظن نفسك قد هربت مني؟...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق