اسمها مصر | قصة قصيرة لرمضان سلمي - مدونة رمضان سلمي برقي

اخر الأخبار

مساحة اعلانية

اعلان 728X90

الأربعاء، 28 مارس 2018

اسمها مصر | قصة قصيرة لرمضان سلمي



كي تُصبح سائقاً؛ لابد لك أن تُتقن شيئين، أولهما: القيادة، وثانيهما: كثرة الكلام؛ "الرغي" و "الهري".
أن تتحدث في أي شيء، أوتجذب سيرة هذا، وتُفلت سيرة ذاك، حتى تمل منك عجلة القيادة، قبل الراكب المسكين..
هذا ما حدث معي، حينما ركبتُ سيارة أجرة، لأذهب لزيارة صديق لي كان مريضاً، ومحجوزاً بمستشفى في القاهرة..
كان وقت الذروة، وكوبري السادس من أكتوبر يئن من الازدحام!.
- لمؤاخذة يا أستاذنا..
هل بدأ؟ قلتها لنفسي!.
- الله يخرب بيته هو السبب في اللي احنا فيه؛ ولّع الدنيا، الناس أيام الحرامي كانت بتكح تراب دلوقت الناس بتكح دم ياباشا، شايف الناس متصربعة على لقمة عيشها ازاي؛ خايفين لبَعد ساعة تِرتفع أسعار كل حاجة، أو أي حاجة... طب يرضيك؟
أجبته بسؤال:
- هو إيه اللي يرضيني؟.
-اللي بيحصل ياباشا؟.
- هو إيه اللي بيحصل؟.
تعَجَب قائلاً:
- اللي قولته منذ قليل، الذي يحدث في البلد!.
- إللي هو إيه بقه؟.
- الدم!.
- دم إيه؟.
- الدم اللي الناس بتكحه!
- طب والله كويس إن الناس بتكح، واللي يكح يبقى عايش؛ نقول الحمد لله بقه، بلاش سَخَط، أنت أحسن من غيرك بكتير، في غيرك مش لاقي ياكل أو يلبس، أو يكح، وغيرك عايش في حروب ودمار... إنت أحسن من غيرك صدقني!.
قلتها وسكتُ، فبدا أنه مستثاراً لأبعد الحدود، وفجأة توقف عن الجدال، وغط في ضحك لا إرادي، راح يقطعه بعدة سعلات، ولما أنهى سيمفونيته المُقرفة، سألني بصحبة غمزة من عينه:
- الحمد لله يا باشا، بس برضه في ناس أحسن مني!.
لا أدري كيف اكتشفها، ألوحده، أم أنه غشها من أحد! قلت له:
- يعني قولت الحمد لله، وبرضوا بتنظر إلى النعمة اللي فإيد غيرك!.
أجابني بضحكة خبيثة:
- هو حضرتك منهم؟.
- من مين؟.
- الباشوات ياباشا!.
- بشوات مين؟.
- الباشوات اللي على قلبهم ملايين، ولا حاسيين بغلاء ولا فقر ولا بطالة، البشوات اللي مكوشين عليها كلها؛ حكومة ومجالس ومحاكم، وجيش وشرطة، البشوات اللي عشان مرتاحين في قصورهم، وعربياتهم المكيفة، شايفينها جنة الله في الأرض؟.
- دول فين؟.
- في بلدنا ياباشا!.
- طب ما هي كويسة أهه، قول الحمدلله بقه إن لسة في بشوات في بلدكوا، وإلا مكنتوش هتعرفوا تكحوا حتى!؟.
- حيرتني ياباشا، هو إنت مش من البلد دي لمؤاخذة؟.
- لأ، أنا مش من هنا الحقيقة، أنا من بلد جنبكوا.
- بلد جنبنا! طب اسمها إيه ياباشا نتشرف لمؤاخذة بحضرتك؟.
وصلتُ إلى المستشفى أخيراً، نقدته أجرته، ثم أجبته وأنا هامُ بالرحيل:
- اسمها مصر!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق