القبلة المباحة | قصة قصيرة لرمضان سلمي - مدونة رمضان سلمي برقي

اخر الأخبار

مساحة اعلانية

اعلان 728X90

الخميس، 20 أبريل 2017

القبلة المباحة | قصة قصيرة لرمضان سلمي



دلفتُ إلى طوار المستطيل الأخضر الذي يتوسط منطقة الحسين بسروالي الجينس وقميصي الكاروهات، جلستُ على مصطبة رخامية لصق الدرابزين المحيط بالمستطيل، وفوق راحة يدي ورقة بيضاء فوقها قطعة بطاطا اشتريتها تواً وقد قاربتُ على الانتهاء منها، مستقبلاً شارعي الموسكي وخان الخليلي والمقاهي السياحية التي بينهما، وعن يميني غير بعيد؛ الباب الرئيسي لمسجد الحسين، وعن شمالي حاجز لتمركز الحراسة الشرطية به رهط من ضباط الشرطة جالسين..
مع اقتراب الغروب، واستحالة أشعة الشمس إلى خيوط ذهبية واهنة؛ اكتظت المنطقة بالسياح والمتفرجين من كل جنسيات العالم؛ ذوو البشرات البيضاء والسمراء والشقراء، وذوو الشعر الذهبي المتهدل والأسود السبط والأحمر الجعد، وذوو الملابس القصيرة والملابس الحشمة، وصارت الجلبة سمة غالبة، وكما يقال: « مولد وصاحبه غائب!.»
أنهيتُ ماتبقى من قطعة البطاطا؛ ألقيتُ الورقة بصندوق قمامة صغير غير بعيد. أخرجتُ من جيبي علبة سجائر محلية ضامرة؛ كانت قد قاربت على الانتهاء، وأشعلتُ منها سيجارة، وبعد أن سعلتُ كثيراً لدقائق كالعادة؛ رحتُ أتأمل البشر من حولي.
فجأة؛ توقفتْ إحدى السائحات ورفيقها أمام مدخل شارع الموسكي - أمام ناظري - كانا شقراوان في العقد الثالث من العمر؛ يرتديان سروالان قصيران، وعاريان الأكتاف؛ وحقائبهم فوق ظهورهم وعلى أكتافهم، وأمام المارة من النساء الرافلات بالعباءات السوداء، والفتيات المحجبات والأطفال والشيوخ؛ طوقت رفيقها، وظلا يتبادلان عبارات الحب والغزل بلغتهما الإنجليزية، وتخللت العبارات قبلات بالشفاة، وضحكات وأغنوجات مطمئنة، ثم ضربته بيدها على أليته فضحك، ومن ثم احتضنته والتقمت شفتيه وذابا غراماً وكأنهما في صحراء قاحلة لا بشر فيها !.
ازدردتُ ريقي، وحملقتُ منبهراً؛ لقد كانت أول مرة لي أرى فيها قبلة خارج إطار التلفاز؛ قبلة حقيقية تختلف عن قبلة نهاية الأفلام العربية.
كانت النساء المارات والفتيات يشمئزن عندما ينظرن إلى الوضع أمامهم، أما الرجال فيتفرجون بشغف ويتمتمون مبتسمين:
- يا بخته... يابخته!.
وبعض الفتيات يبتسمن ويبتعدن متمتمات:
-  قلة أدب !.
وبعضهن تتمتمن بحنق:
- إذا بُليتم فاستتروا؟!.
أما أنا فحدستُ أن الشرطة ستهجم عليهما، وتجرجرهما إلى القسم بتهمة القيام بفعل فاضح في الطريق العام - كما كنتُ أشاهد دائماً بالأفلام المصرية - وعبثا رحتُ أتنقل ببصري ما بين العاشقان وتمركز الشرطة، ومرت دقائق ولم يهجم أحداً، قلت لنفسي: «لربما لم يلاحظوا بعد!» وفجأة؛ وقف ضابط من قوات التمركز، متشح بالأبيض؛ طويل القامة عريض المنكبين يرتدي نظارة شمس سوداء، نظر إلى المأبونين بتجهم؛ فرحتُ ونظرتُ إليهما، غمغمتُ:
- يومكما أسود من قعر الحلة إن شاء الله، ستنفخون الليلة بقسم الشرطة يا متهتكان!.
عدتُ ببصري صوب تمركز الشرطة؛ ابتسم الضابط، أشاح بوجهه عنهم، وجلس مرة أخرى، وعاد للتسامر مع الرهط.
حينئذ؛ ثبطت فرحتي، وخاب ظني، وتذكرتُ فجأة؛ أنني لم أنقد البائع ثمن البطاطا!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق